الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  معلومات الكتاب

                                                                  موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

                                                                  القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

                                                                  بيان الدواء النافع في حضور القلب

                                                                  اعلم أن المؤمن لا بد أن يكون معظما لله عز وجل وخائفا منه وراجيا له ومستحيا من تقصيره ، فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه وإن كانت قوتها بقدر قوة يقينه ، فانفكاكه عنها في الصلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر وتقسيم الخاطر وغيبة القلب عن المناجاة والغفلة عن الصلاة . ولا ينهى عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة ، فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر ، ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه فلتعلم سببه .

                                                                  وسبب موارد الخواطر إما أن يكون أمرا خارجا أو أمرا باطنا :

                                                                  أما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر للبصر ، فإن ذلك قد يختطف الهم حتى يتبعه وينصرف فيه ثم تنجر منه الفكرة إلى غيره ويتسلسل ويكون الإبصار سببا للافتكار . ومن قويت نيته وعلت همته لم يلهه ما جرى على حواسه ، ولكن الضعيف لا بد وأن يتفرق به فكره . وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره أو لا يترك بين يديه ما يشغل حسه ، ويقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره ، ويحترز من الصلاة على الشوارع وفي المواضع المنقوشة المصنوعة وعلى الفرش المصبوغة .

                                                                  [ ص: 37 ] وأما الأسباب الباطنة فهي أشد ، فإن من تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لم ينحصر فكره في فن واحد بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب . فهذا طريقه أن يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة ويشغلها به عن غيره ، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة وخطر المقام بين يدي الله سبحانه وهو المطلع ، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره .

                                                                  فإن كان لا يسكن هائج أفكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق ، وهو أن ينظر في الأمور الصارفة عن إحضار القلب ، ولا شك أنها تعود إلى مهماته ، وأنها إنما صارت مهمات بشهواته ، فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق كما روي أنه صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التي أتاه بها " أبو جهم " وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته ، وقال صلى الله عليه وسلم : " اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي وائتوني بإنبجانية أبي جهم ".

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية