الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وقوله :


ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة فقالت : لك الويلات إنك مرجلي     تقول وقد مال الغبيط بنا معا :
عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل



قوله : " دخلت الخدر خدر عنيزة " ، ذكره تكريرا لإقامة الوزن ، لا فائدة فيه غيره ، ولا ملاحة له ولا رونق !

وقوله في المصراع الأخير من هذا البيت : " فقالت لك الويلات إنك مرجلي " كلام مؤنث من كلام النساء ، نقله من جهته إلى شعره ! وليس فيه غير هذا ! !

وتكريره بعد ذلك : " تقول وقد مال الغبيط " ، يعني قتب الهودج ، بعد قوله : " فقالت لك الويلات إنك مرجلي " : لا فائدة فيه غير تقدير الوزن ! وإلا فحكاية قولها الأول كاف ، وهو في النظم قبيح ؛ لأنه ذكر مرة : " فقالت " ، ومرة : " تقول " ، في معنى واحد ، وفصل خفيف !

وفي مصراع الثاني أيضا تأنيث من كلامهن .

وذكر أبو عبيدة أنه قال : " عقرت بعيري " ، ولم يقل ناقتي ، لأنهم يحملون النساء على ذكور الإبل ، لأنها أقوى .

وفي ذلك نظر ، لأن الأظهر أن البعير اسم للذكر والأنثى ، واحتاج إلى ذكر البعير لإقامة الوزن .

* * *

وقوله :


فقلت لها : سيري وأرخي زمامه     ولا تبعديني من جناك المعلل
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع     فألهيتها عن ذي تمائم محول



[ ص: 167 ] البيت الأول قريب النسج ، ليس له معنى بديع ، ولا لفظ شريف ، كأنه من عبارات المنحطين في الصنعة .

وقوله : " فمثلك حبلى قد طرقت " ، عابه عليه أهل العربية ، ومعناه عندهم حتى يستقيم الكلام : فرب مثلك حبلى قد طرقت ، وتقديره أنه زير نساء ، وأنه يفسدهن ويلهيهن عن حبلهن ورضاعهن ، لأن الحبلى والمرضعة أبعد من الغزل وطلب الرجال !

والبيت الثاني في الاعتذار والاستهتار والتهيام ، وغير منتظم مع المعنى الذي قدمه في البيت الأول ؛ لأن تقديره : لا تبعديني عن نفسك فإني أغلب النساء ، وأخدعهن عن رأيهن ، وأفسدهن بالتغازل ! وكونه مفسدة لهن لا يوجب له وصلهن وترك إبعادهن إياه ، بل يوجب هجره والاستخفاف به ، لسخفه ودخوله كل مدخل فاحش ، وركوبه كل مركب فاسد !

وفيه من الفحش والتفحش ما يستنكف الكريم من مثله ، ويأنف من ذكره ! !

* *

التالي السابق


الخدمات العلمية