الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 65 ] الثالث : قد ذكرنا ما حكاه ابن عبد البر من تعميم الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عمن لقيه بأي لفظ كان ، وهكذا أطلق أبو بكر الشافعي الصيرفي ذلك فقال : " كل من علم له سماع من إنسان ، فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه ، وكل من علم له لقاء إنسان ، فحدث عنه فحكمه هذا الحكم " .

وإنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه .

ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا ، والظاهر السلامة من وصمة التدليس ، والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس .

ومن أمثلة ذلك : قوله : " قال فلان كذا وكذا " مثل أن يقول نافع : " قال ابن عمر " . وكذلك لو قال عنه : " ذكر ، أو فعل ، أو حدث ، أو كان يقول كذا وكذا " ، وما جانس ذلك ، فكل ذلك محمول ظاهرا على الاتصال ، وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما ، مهما ثبت لقاؤه له على الجملة .

ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشروط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء ، أو السماع ، كما حكيناه آنفا . وقال فيه أبو عمرو [ ص: 66 ] المقرئ : " إذا كان معروفا بالرواية عنه " . وقال فيه أبو الحسن القابسي : " إذا أدرك المنقول عنه إدراكا بينا " .

وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم .

وأنكر مسلم بن الحجاج في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره ، حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع ، وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه ، وأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد ، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها .

وفيما قاله مسلم نظر ، وقد قيل : إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم : علي بن المديني ، والبخاري ، وغيرهما ، والله أعلم .

قلت : وهذا الحكم لا أراه يستمر بعد المتقدمين ، فيما وجد من [ ص: 67 ] المصنفين في تصانيفهم ، مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه : " ذكر فلان ، قال فلان " ونحو ذلك ، فافهم كل ذلك ، فإنه مهم عزيز ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية