الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
285 الأصل

[ 243 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصلي لكم". [ ص: 454 ]

قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم خلفه والعجوز من ورائنا.


التالي السابق


الشرح

مليكة: جدة أنس بن مالك أنصارية.

روى عنها: أنس، وقال بعضهم: مليكة - بفتح الميم - ولم يصحح.

والحديث صحيح مدون في الموطأ وقال في آخره: فصلى لنا ركعتين ثم انصرف وأخرجه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي بروايتهم جميعا عن مالك.

وفي الحديث دلالة على استحباب اتخاذ الدعوة والإجابة إليها، واستدل به على أن الإمام إذا دعي لطعام يصلي في بيت المضيف لينال البركة أهل البيت، ويقدم الأكل على الصلاة إما لئلا ينتظر أصحاب الطعام وتسكن نهمة القوم، وإما ليتفرغ الكل للصلاة ويختموا المجلس على الصلاة، وعلى أن الجماعة جائزة في صلاة النافلة؛ لأن تلك الصلاة كانت نافلة، وقد يشعر به قوله - صلى الله عليه وسلم -: قوموا فلأصلي لكم وأيضا فإن الحضور غالبا يكون في بياض النهار والصلاة كانت [ ص: 455 ] ركعتين، وعلى جواز صلاة الجماعة في البيوت، وعلى أن النضح قد يقوم مقام الغسل إذا كان المقصود دفع الوسواس، ولك أن تقول: النضح قد يكون بمعنى الغسل على ما سبق، وبتقدير أن يكون المراد مجرد الرش فلا يكون ذلك دفع الوسوسة فإنها لا تندفع بغير الغسل، ويشبه أن يكون المراد التنظيف وإزالة ما كان عليه من غبار ونحوه، وعلى جواز الصلاة على ما يبسط على الأرض من حصير وغيره، وقد روي عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة.

وفيه دليل على أنه يحسن أن يخصص حالة الصلاة ببسط شيء يصلي عليه، وأن الصبي يصلي في الجماعة؛ لأنه صلى معهم اليتيم، واسم اليتيم يختص بحالة الصغر، وأن الرجل يتقدم على المرأة في الموقف، وأن الصبي يقف مع الرجل أو الرجال في الصف، فإن اجتمع صبيان فصاعدا وقفوا صفا بين الرجال والنساء، واحتج الشافعي ثم البخاري في الصحيح بهذا الحديث على أن صلاة المنفرد خلف الصف جائزة؛ لأن المرأة التي صلت وراء أنس واليتيم كانت منفردة، ولمن ينازع فيه أن يقول: إنما لا تجوز صلاة المنفرد إذا كان ما وراء؛ بأن يدخل الصف إما بجر إلى نفسه واحدا والمرأة المنفردة لا تؤمر بذلك، والسابق إلى الفهم أن المراد من العجوز مليكة صاحبة الطعام، وفي وقوف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلاته على الحصير المسود المنضوح بالماء [ ص: 456 ] يستدل به على حسن خلقه وترك تقشفه.

وقوله: من طول ما لبس كأنه يريد: فرش، فإن ما فرش فقد لبسته الأرض، وهذا كما أن ما تستر به الكعبة والهودج يسمى لباسا لهما، وقد يتخيل حمله على أن أصحاب الضرورات قد يستترون بالحصير اللينة ويلفونها عليهم.




الخدمات العلمية