الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2715 ص: ولقد روي في هذا عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ما قد حدثنا فهد ، قال : ثنا : أبو غسان ، قال : ثنا محمد بن راشد ، عن سليمان بن موسى ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : " كنا نصيب مع رسول الله - عليه السلام - في مغانمنا من المشركين الأسقية فنقسمها ، وكلها ميتة ، فننتفع بذلك " .

                                                فدل ذلك على ما ذكرنا ، . وهذا جابر يقول هذا وقد حدث عن رسول الله - عليه السلام - أنه قال : "لا تنتفعوا من الميتة بشيء " . فلم يكن ذلك عنده بمضاد لهذا ، فثبت أن معنى حديثه عن رسول الله - عليه السلام - : "لا تنتفعوا من الميتة بشيء " . غير معنى حديثه الآخر ، وأن الشيء المحرم من الميتة في ذلك الحديث ، هو غير المباح في هذا الحديث ، فكذلك ما روي عن عبد الله بن عكيم ، عن رسول الله - عليه السلام - مما نهي عن الانتفاع به من الميتة هو غير ما أباح في هذه الآثار ، ومن أهبها المدبوغة ، حتى تتفق هذه الآثار ولا يضاد بعضها بعضا ، وهذا الذي ذهبنا إليه في هذا الباب من طهارة جلود الميتة بالدباغ قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، رحمهم الله .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه إشارة إلى تأييد صحة ما ذكره من الحجة الأخرى ; لأن حديث جابر بن عبد الله يصدقها ويصححها ، وهذا ظاهر .

                                                وأيضا إشارة إلى بيان وجه التوفيق بين روايتي جابر بن عبد الله ; فإنه روى في حديث : "لا تنتفعوا من الميتة بشيء " . وهو ما رواه أبو الزبير المكي عنه المذكور فيما مضى .

                                                وروى ها هنا : "كنا نصيب مع رسول الله - عليه السلام - في مغانمنا من المشركين الأسقية " .

                                                فبين الحديثين تضاد ظاهرا ، ولكن في الحقيقة إذا صحح معانيهما يتفقان ; لأن معنى حديثه الأول غير معنى حديثه الآخر ، لأن المحرم في حديثه الأول هو الشحم من الميتة على ما ذكرنا ، وهو غير المباح في حديثه الآخر وهو الانتفاع بجلود الميتات [ ص: 196 ] المدبوغة فيكون كل واحد من معنيي الحديثين في محل ، فباختلاف المحل لا يتحقق التضاد ; فافهم .

                                                وكذلك الكلام بين حديث عبد الله بن عكيم المذكور في أول الباب ، في استدلال أهل المقالة الأولى ، وبين هذه الأحاديث ; وذلك لأن معنى حديثه : لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ما دام غير مدبوغ ، فإذا دبغ يجوز الانتفاع به ، وهو معنى الأحاديث الأخر ، فبهذا المعنى تتفق الأحاديث كلها ولا يضاد بعضها بعضا ; فافهم .

                                                قوله : "من أهبها المدبوغة " بفتح الهمزة والهاء ، جمع إهاب ، وقد يضم على القياس ، وقد مر مرة .

                                                ثم إسناد حديث جابر المذكور صحيح . وأبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري ، ومحمد بن راشد الخراعي أبو عبد الله الشامي المعروف بالمكحولي ، وثقه أحمد ويحيى ، وروى له الأربعة . وسليمان بن موسى القرشي أبو أيوب الدمشقي فقيه أهل الشام في زمانه ، ثقة صدوق ، وقال ابن عدي : ثبت صدوق ، وروى له مسلم في مقدمة كتابه والأربعة .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده " : ثنا محمد بن المثنى ، نا عبد الوهاب ، نا برد ، نا سليمان بن موسى ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال : "كنا نصيب مع رسول الله - عليه السلام - الأسقية والآنية فنغسلها ونأكل فيها ، يعني آنية المشركين " .




                                                الخدمات العلمية