الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله والأدب في ذلك

                                                                                                                                                                                                        2030 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما قال لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتاعون جزافا يعني الطعام يضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى يئويه إلى رحله ، والأدب في ذلك ) أي : تعزير من يبيعه قبل أن يؤويه إلى رحله . ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك ، وهو ظاهر فيما ترجم له ، وبه قال الجمهور ، لكنهم لم يخصوه بالجزاف ولا قيدوه بالإيواء إلى الرحال ، أما الأول فلما ثبت من النهي عن بيع الطعام قبل قبضه فدخل فيه المكيل ، وورد التنصيص على المكيل من وجه آخر عن ابن عمر مرفوعا أخرجه أبو داود . وأما الثاني فلأن الإيواء إلى الرحال خرج مخرج الغالب ، وفي بعض طرق مسلم عن ابن عمر " كنا نبتاع الطعام فيبعث إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه " وفرق مالك في المشهور عنه بين الجزاف والمكيل : فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي وإسحاق ، واحتج لهم بأن الجزاف مربى فتكفي فيه التخلية ، والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون ، وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعا " من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبيعه حتى يقبضه " ورواه أبو داود والنسائي بلفظ : نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه والدارقطني من حديث جابر : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع والمشتري ونحوه للبزار من حديث أبي هريرة بإسناد حسن ، وفي ذلك دلالة على اشتراط القبض في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن ، فمن اشترى شيئا مكايلة أو موازنة فقبضه جزافا فقبضه فاسد ، وكذا لو اشترى مكايلة فقبضه موازنة وبالعكس ، ومن اشترى مكايلة وقبضه ثم باعه لغيره لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى يكيله على من اشتراه ثانيا ، وبذلك كله قال الجمهور ، وقال عطاء : يجوز بيعه بالكيل الأول مطلقا ، وقيل : إن باعه بنقد جاز بالكيل الأول وإن باعه بنسيئة لم يجز بالأول ، والأحاديث المذكورة ترد عليه . وفي الحديث [ ص: 412 ] مشروعية تأديب من يتعاطى العقود الفاسدة ، وإقامة الإمام على الناس من يراعي أحوالهم في ذلك والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : " جزافا " مثلثة الجيم والكسر أفصح . وفي هذا الحديث جواز بيع الصبرة جزافا سواء علم البائع قدرها أم لم يعلم ، وعن مالك التفرقة ، فلو علم لم يصح ، وقال ابن قدامة : يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع والمشتري قدرها فإن اشتراها جزافا ففي بيعها قبل نقلها روايتان عن أحمد ، ونقلها قبضها .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية