الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 20 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) )

قال أبو جعفر : هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي به أهل الخير . وهو من الله جل ثناؤه جواب لما يتوهم في مسألته إياه أن يجعل من ذريته أئمة مثله . فأخبر أنه فاعل ذلك ، إلا بمن كان من أهل الظلم منهم ، فإنه غير مصيره كذلك ، ولا جاعله في محل أوليائه عنده ، بالتكرمة بالإمامة . لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته ، دون أعدائه والكافرين به .

واختلف أهل التأويل في العهد الذي حرم الله جل ثناؤه الظالمين أن ينالوه .

فقال بعضهم : ذلك العهد هو النبوة .

ذكر من قال ذلك :

1945 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " قال لا ينال عهدي الظالمين " ، يقول : عهدي ، نبوتي .

فمعنى قائل هذا القول في تأويل الآية : لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك .

وقال آخرون : معنى "العهد" : عهد الإمامة .

فتأويل الآية على قولهم : لا أجعل من كان من ذريتك بأسرهم ظالما ، إماما لعبادي يقتدى به .

ذكر من قال ذلك :

1946 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا يكون إمام ظالما . [ ص: 21 ]

1947 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قال الله : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا يكون إمام ظالما .

1948 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة بمثله .

1949 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : "قال لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا يكون إمام ظالم يقتدى به .

1950 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

1951 - حدثنا مشرف بن أبان الحطاب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد في قوله : "لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به .

1952 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا مسلم بن خالد الزنجي ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به .

1953 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 22 ] ابن جريج ، عن مجاهد : "لا ينال عهدي الظالمين" : قال : لا يكون إماما ظالم .

قال ابن جريج : وأما عطاء فإنه قال : " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي " ، فأبى أن يجعل من ذريته ظالما إماما . قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنه لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه .

ذكر من قال ذلك :

1954 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "لا ينال عهدي الظالمين" ، يعني : لا عهد لظالم عليك في ظلمه ، أن تطيعه فيه .

1955 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، عن إسرائيل ، عن مسلم الأعور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال : ليس للظالمين عهد ، وإن عاهدته فانقضه .

1956 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن سفيان ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ليس لظالم عهد .

وقال آخرون : معنى "العهد" في هذا الموضع : الأمان .

فتأويل الكلام على معنى قولهم : قال الله : لا ينال أماني أعدائي ، وأهل الظلم لعبادي . أي : لا أؤمنهم من عذابي في الآخرة .

ذكر من قال ذلك :

1957 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " قال لا ينال عهدي الظالمين ، ذلكم عند الله يوم القيامة ، لا ينال عهده ظالم ، فأما في الدنيا ، فقد نالوا عهد الله ، فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم به . فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه . [ ص: 23 ]

1958 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم ، وأكل به وعاش .

1959 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم : "قال لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون . فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به ، وأكل وأبصر وعاش .

وقال آخرون : بل "العهد" الذي ذكره الله في هذا الموضع : دين الله .

ذكر من قال ذلك :

1960 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : قال الله لإبراهيم : "لا ينال عهدي الظالمين" فقال : فعهد الله الذي عهد إلى عباده ، دينه . يقول : لا ينال دينه الظالمين . ألا ترى أنه قال : ( وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ) [ سورة الصافات : 113 ] ، يقول : ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق .

1961 - حدثني يحيى بن جعفر قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " لا ينال عهدي الظالمين قال : لا ينال عهدي عدو لي يعصيني ، ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني .

قال أبو جعفر : وهذا الكلام ، وإن كان ظاهره ظاهر خبر عن أنه لا ينال من ولد إبراهيم صلوات الله عليه ، عهد الله - الذي هو النبوة والإمامة لأهل الخير ، [ ص: 24 ] بمعنى الاقتداء به في الدنيا ، والعهد الذي بالوفاء به ينجو في الآخرة ، من وفى لله به في الدنيا - من كان منهم ظالما متعديا جائرا عن قصد سبيل الحق . فهو إعلام من الله تعالى ذكره لإبراهيم : أن من ولده من يشرك به ، ويجور عن قصد السبيل ، ويظلم نفسه وعباده ، كالذي : -

1962 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد في قوله : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : إنه سيكون في ذريتك ظالمون

وأما نصب "الظالمين" ، فلأن العهد هو الذي لا ينال الظالمين .

وذكر أنه في قراءة ابن مسعود : "لا ينال عهدي الظالمون" ، بمعنى : أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهد الله .

وإنما جاز الرفع في "الظالمين" والنصب ، وكذلك في "العهد" ، لأن كل ما نال المرء فقد ناله المرء ، كما يقال : "نالني خير فلان ، ونلت خيره" ، فيوجه الفعل مرة إلى الخير ومرة إلى نفسه .

وقد بينا معنى "الظلم" فيما مضى ، فكرهنا إعادته . [ ص: 25 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية