الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 513 ] ( ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمه الله . وقال محمد رحمه الله : لا يجوز )

رجوعا إلى إطلاق الحديث واعتبارا بالمنقول وصار كالإجارة ، ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله ، ولا غرر فيه ; لأن الهلاك في العقار نادر ، بخلاف المنقول ، والغرر المنهي عنه غرر انفساخ العقد ، والحديث [ ص: 514 ] معلول به عملا بدلائل الجواز والإجارة ، قيل على هذا الخلاف ; ولو سلم فالمعقود عليه في الإجارة المنافع وهلاكها غير نادر .

التالي السابق


( قوله ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف ) وهو قوله الآخر ( وقال محمد : لا يجوز ) وهو قول أبي يوسف الأول ، وقول الشافعي ( رجوعا إلى إطلاق الحديث ) يعني عمومه ، وهو ما في حديث حكيم من قوله صلى الله عليه وسلم { لا تبيعن شيئا حتى تقبضه } بخلاف ما قبله من حديث ابن عمر فإنه خاص بالمنقول : أعني قوله { نهى عن بيع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم } وللنهي عن ربح ما لم يضمن ، ولو باع العقار بربح يلزم ربح ما لم يضمن وصار بيع العقار كإجارته وإجارته قبل قبضه لا تجوز فكذا بيعه ; ولأن السبب هو البيع إنما يتم بالقبض ، ولهذا جعل الحادث بعد العقد قبل القبض كالحادث عند العقد ، والملك إنما يتأكد بتأكد السبب ، وفي هذا العقار والمنقول سواء ( ولهما ) أي لأبي حنيفة وأبي يوسف ( أن ركن البيع صدر من أهله في محله ) والمانع المثير للنهي وهو غرر الانفساخ بالهلاك منتف .

( فإن هلاك العقار نادر ) والنادر لا عبرة به ، ولا يبنى الفقه باعتباره فلا يمنع الجواز ، وهذا ; لأنه لا يتصور هلاكه إلا إذا صار بحرا ونحوه ، حتى قال بعض المشايخ : إن جواب أبي حنيفة في موضع لا يخشى عليه أن يصير بحرا أو يغلب عليه الرمال ، فأما في موضع لا يؤمن عليه ذلك فلا يجوز كما في المنقول ذكره المحبوبي وفي الاختيار : حتى لو كان على شط البحر أو كان المبيع علوا لا يجوز بيعه قبل القبض [ ص: 514 ] والحديث الذي استدل به ( معلول به ) أي بغرر الانفساخ ، والدليل عليه أن التصرف الذي لا يمتنع بالغرر نافذ في المبيع قبل القبض وهو العتق والتزوج عليه ، وبه ظهر فساد قولهم إن تأكد الملك بتأكد السبب ، وذلك بالقبض لأن العتق في استدعاء ملك تام فوق البيع ، ويجوز في المبيع قبل القبض العتق .

وإنما قلنا : التزوج لا يبطل بالغرر ; لأنه لو هلك المهر المعين لزم الزوج قيمته ولم ينفسخ النكاح ، وأورد أنه تعليل في مقابلة النص فإنه تخصيص عمومه فيؤدي إلى تقديم القياس ، والمعنى على النص وهو ممنوع ، الجواب أنه خص منه أشياء : منها جواز التصرف في الثمن قبل قبضه ، وكذا المهر يجوز لها بيعه وهبته ، وكذا الزوج في بدل الخلع ، وكذا رب الدين في الدين إذا ملكه غيره وسلطه على قبضه جاز ، وكذا أخذ الشفيع قبل قبض المشتري ، ولا شك أن تملكه حينئذ شراء قبل القبض [ ص: 515 ] فلو كان العقار قبل القبض لا يحتمل التمليك ببدل لم يثبت للشفيع حق الأخذ قبل القبض ، وهذا يخرج إلى الاستدلال بدلالة الإجماع على جواز بيع العقار قبل القبض ، وأما الإلحاق بالإجارة ففي منع الإجارة قبل القبض منع فإنه قيل : إنه على هذا الخلاف ، والصحيح كما قال في الفوائد الظهيرية أن الإجارة قبل القبض لا تجوز بلا خلاف إلا أن المنافع بمنزلة المنقول والإجارة تمليك المنافع فيمتنع جوازها قبل القبض .

وفي الكافي وعليه الفتوى : وإذا عرف من الجواب أن التصرف في الثمن قبل القبض يجوز وفي المبيع لا يجوز كان تتميمه بأن يذكر هنا ما يميز المبيع عن الثمن وإن كان قد سلف فالدراهم والدنانير أثمان أبدا وذوات القيم مبيعة أبدا والمثليات من المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة إذا قوبلت بالنقد مبيعة أو بالأعيان وهي معينة ثمن أو غير معينة فمبيعة ، كمن قال اشتريت كرا من الحنطة بهذا العبد فلا يصح إلا بشرائط السلم ، وقيل المثليات إذا لم تكن معينة وقوبلت بغيرها ثمن مطلقا ، ولو دخل عليها الباء .

إذا عرف هذا فالأثمان يجوز التصرف فيها قبل القبض استبدالا في غير الصرف والسلم ، واختلف في القرض والأصح جوازه ، والمبيعات تقدم حالها عند ذكرنا الإلحاق ، ولو باع عبدا وسلمه ثم أقال فبيعه من المشتري قبل القبض يجوز ، ومن الأجنبي لا يجوز ، وللشافعي قولان ، والأصل أن البيع متى انفسخ بسبب هو فسخ من كل وجه في حق كافة الناس فبيعه قبل القبض جائز من كل أحد ، وما هو فسخ في حق العاقدين بيع في حق ثالث يجوز من المشتري كالأجنبي .




الخدمات العلمية