الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( لا سنة )

                                                                                                                            ش : المشهور أن الحاضر الصحيح لا يتيمم لها وعزاه ابن بشير للمدونة قال في المدونة : ولا يتيمم من أحدث خلف الإمام في صلاة العيدين ، انتهى . وقال ابن سحنون سبيل السنن في التيمم سبيل الفرائض الوتر والفجر والعيدين والاستسقاء والخسوف ويتيمم لكل سنة كما يتيمم للفرائض وذكر ابن عرفة ثالثا بأنه يتيمم للعينية كالوتر والفجر دون السنن على الكفاية كالعيدين وعزاه [ ص: 330 ] اللخمي للمذهب ، وليس في كلام اللخمي ما يدل على أنه المذهب ، ونصه : ويختلف في السنن إذا كانت على الأعيان كالوتر والفجر ، ولا يتيمم للنوافل ولا للسنن إذا كانت على الكفاية كالجنائز والعيدين على القول بأنها على الكفاية ثم ذكر كلام المدونة وكلام ابن سحنون وكلام ابن وهب المتقدم في صلاة الجنازة ثم قال : وإذا جاز للسنن عند عدم الماء فيختلف فيه مع وجود الماء إذا خاف خروج وقت الوتر وركعتي الفجر وفراغ الإمام من العيدين والاستسقاء والجنائز ، والله تعالى أعلم . وحمل كلام سند ابن سحنون على من لا يقدر على مس الماء قال : ولو خاف فوات ركعتي الفجر إن توضأ وإن تيمم أدركهما مع الصبح فإنه يتوضأ ويدع ركعتي الفجر ، انتهى . فظاهر كلامه أن هذا متفق عليه ، وهو خلاف ما يقتضيه كلام اللخمي فتأمله ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال ابن عبد السلام : حكاية ابن الحاجب الخلاف في السنن يقتضي عدم الاتفاق على عدم التيمم للفرائض والنوافل وفيه نظر والأظهر في الحاضر الصحيح التيمم للفرائض والنوافل ; لأن الآية إن تناولته كان كالمسافر والمريض ، وإن لم تتناوله لم يتيمم لها ، انتهى . وما حكاه من الاتفاق هو ظاهر كلام صاحب الطراز فإنه قال لما حكى الخلاف في الجنازة إذا لم تتعين : ووجه القول المشهور بالمنع فلم يجب للتيمم كما في سائر الصلوات وكما لو مر بسجدة وهو في سوقه ، أو دخل في طريقه مسجدا فأراد أن يركع التحية ، أو يقرأ في حانوته وهو جنب فإنه لا يتيمم لشيء من ذلك ، وإن كان يتركه ، انتهى .

                                                                                                                            وينبغي للشخص أن كل فعل تشترط له الطهارة ، ولا يباح إلا بها لا يفعله في الحضر بالتيمم إذا خاف فواته وكل فعل تندب له الطهارة كقراءة القرآن ظاهر ، أو الدعاء والمناجاة والنوم ونحو ذلك فينبغي له أن يتيمم إذا لم يجد الماء وخاف فوات ذلك الفعل لجواز الإقدام على ذلك بغير طهارة والتيمم لا يزيده إلا خيرا ، والله تعالى أعلم . وليس في هذا وأمثاله إحداث قول ، وإنما فيه الخروج من الخلاف فيما حصل فيه منع من بعض العلماء ، وتقليد بعض العلماء في اكتساب فضيلة لا يمنع منها غيره ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) هذا ظاهر في الصحيح الحاضر الذي عدم الماء ، وأما إذا كان يخاف من استعماله الضرر على نفسه فالظاهر أنه بمنزلة المريض يتيمم للسنن قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب : ولا يتيمم الحاضر للسنن على المشهور ومراده إذا خشي إن تشاغل بتحصيل الماء أو باستعماله فوات الوقت فالمشهور لا يتيمم ; لأن الأصل منع الحاضر من التيمم مع القدرة على استعمال الماء خرجت الفرائض لإدراك الوقت وبقي ما عداها ، انتهى مختصرا . فجعل محل الخلاف فيمن يخاف فوات الوقت ويأتي في كلام العوفي والوانوغي ما يؤيد ذلك ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) قال الوانوغي في قوله في المدونة : وإذا تيمم الجنب ثم صلى ثم وجد الماء أعاد الغسل فقط . قوله : وصلى ، ولو في جماعة في المسجد فيؤخذ منه جواز دخوله لصلاة الجماعة لا أنه يصلي خارج المسجد قال المشذالي في الأخذ ضعف ; لأنه من باب المطلق ، انتهى . وسكت عنه ولم يفصل هل مراده الجنب الصحيح ، أو المريض ؟ وقد نقل بعده ما نصه : قال الوانوغي قال القرافي : انظر لو أراد الجنب أن يدخل المسجد لصلاة الجماعة ، أو إعادة ما صلى منفردا فهل يتيمم لدخول المسجد ثم للصلاة ؟ فقد يقال : لا يجوز ; لأن الجماعة والإعادة غير مضطر إليهما ولقوله لا يتيمم الحاضر لسنة ، وهذا في حق الحاضر الصحيح ، وأما المريض والمسافر فيجوز لقولها يتيممان للطواف ، انتهى .

                                                                                                                            وما ذكره ظاهر إلا أن هذا اللفظ لم أره في المدونة بل فيه تجوز فإن الطواف لا يتصور في حق المسافر ، ولهذا قال في التلقين : ولا يكاد يتصور في الطواف إلا للمريض ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) ولو لم يجد الجنب الماء إلا وسط المسجد فهل يجب عليه التيمم [ ص: 331 ] لدخول المسجد ليتوصل إلى الماء ويصير في معنى من تعين عليه الفعل كالجنازة المتعينة ، أو ينهى عن ذلك ; لأنه لما كان للماء بدل وهو التيمم صار بذلك في معنى من لم يتعين عليه ؟ قال المازري في شرح التلقين : لا أحفظ فيه نصا عن المذهب لكن رأيت بعض المتأخرين قال قال مالك : يمنع الجنب من دخول المسجد إلا عابر سبيل فيجب إذا اضطر لدخوله أن يباح له التيمم ، وقد أريناك من وجوه النظر في المسألة طريقا يرشدك لما سواه ، انتهى .

                                                                                                                            وذكر في التوضيح في التيمم كلام المازري نفسه وقال بعده ، انتهى ، ثم ذكر ما ذكره المازري عن بعض المتأخرين عن الباجي ولم يذكر غير ذلك .

                                                                                                                            ( قلت ) وقد صرح صاحب الطراز في غسل الجنابة بأنه يتيمم ويدخل ونصه : فإن التجأ الجنب إلى دخول المسجد ليأخذ منه الماء لغسله ولم يجد الماء في غيره فهذا يتيمم لدخوله وهو قول أبي حنيفة وجهه ظاهر فإن كل فعل منع منه الجنب حتى يتطهر فإنه إن عجز عن الطهارة لذلك بالماء استباحه بالتراب كالصلاة ، وكذلك يفعل إذا التجأ إلى الميت في المسجد وهو جنب ، انتهى .

                                                                                                                            ولا بد أن يراد في التوجيه واضطر إلى ذلك الفعل وتعين عليه وإلا لزم عليه جواز تيمم الحاضر الصحيح للسنن ، والله أعلم . وذكر البرزلي في مسائل الطهارة عن مسائل ابن قداح ما نصه : من أتى المسجد وهو جنب والدلو فيه ، فإن ضاق الوقت تيمم ودخل لأخذه ، وإن اتسع الوقت انتظر من يأتي فيناوله إياه .

                                                                                                                            ( قلت ) مثله إذا كان الماء في المسجد هل يتيمم ويدخل أو يدخل بغير تيمم ؟ وهي المسألة التي سأل مالكا محمد بن الحسن عنها فأجابه ابن الحسن بالأول وسكت مالك وعكسه أن تصيبه جنابة وهو في المسجد فذكر ابن يونس عن البخاري جواز الخروج وبوب عليه البخاري " باب جواز خروج الجنب من المسجد " وأدخل خروجه صلى الله عليه وسلم لغسل رأسه الحديث ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) قال ابن عرفة في مختصره بعد أن ذكر كلام المازري المتقدم ( قلت ) ذكر ابن دقيق أن محمد بن الحسن سأل مالكا عن هذه المسألة بحضرة أصحابه فأجابه بأنه لا يدخل فأعاد محمد سؤاله فأعاد مالك جوابه فأعاد محمد فسأله فقال له مالك : فما تقول أنت فقال : يتيمم ويدخل لأخذ الماء فلم ينكره مالك ، انتهى . من باب التيمم ونقله عن المشذالي وغيره ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) قال سند في عكس الفرع : فإن احتلم في المسجد فهذا يخرج من غير تيمم وحكى ابن أبي زيد في نوادره عن بعض أصحابنا أنه قال : ينبغي أن يتيمم لخروجه ، وهذا قول باطل بالخبر والنظر أما الخبر فإن { النبي صلى الله عليه وسلم لما أحرم في الصلاة ثم ذكر أنه جنب خرج } ولم ير واحد أنه تيمم ، وأما النظر فلأنه إذا اشتغل بالتيمم كان لبثا في المسجد مع الجنابة فكان خروجه أهون من ذلك ; لأن خروجه يعد تركا للكون في المسجد ونزعا عنه ، انتهى .

                                                                                                                            ونقله في التوضيح ونقل البرزلي في الطهارة عن ابن قداح أنه لا يتيمم إذا احتلم في المسجد كما قال سند ، والله أعلم . ونقل المشذالي عن العوفي بعد حكايته كلام صاحب النوادر وكلام سند ما نصه : والظاهر أن هذا الخلاف إنما هو إذا نام في المسجد ، وأما لو نام في بيت المسجد فلا يختلف أنه يتيمم لخروجه ، انتهى . وما قاله ظاهر يفهم من كلام سند المتقدم في دخول المسجد للماء ، والله أعلم . ولو كان مضطرا للمبيت في المسجد ، ولا يمكنه الخروج منه تيمم للمبيت في المسجد ، والله أعلم . وعلى القول بجواز مكث الجنب في المسجد ينبغي أن يتيمم لخروجه ، والله أعلم . ويأتي الكلام على تيممه على تراب المسجد ، والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية