الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل : وأصل الدين : أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ولا مكروه إلا ما كرهه الله ورسوله ولا حلال إلا ما أحله الله ورسوله ولا مستحب إلا ما أحبه الله ورسوله . فالحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله ولهذا أنكر الله على المشركين وغيرهم ما حللوه أو حرموه أو شرعوه من الدين بغير إذن من الله .

                والذي يوجبه الله على العبد قد يوجبه ابتداء ; كإيجابه الإيمان والتوحيد على كل أحد . وقد يوجبه ; لأن العبد التزمه وأوجبه على نفسه ولولا ذلك لم يوجبه ; كالوفاء بالنذر للمستحبات . وبما التزمه في العقود المباحة : كالبيع والنكاح والطلاق ونحو ذلك إذا لم يكن [ ص: 346 ] واجبا . وقد يوجبه للأمرين كمبايعة الرسول على السمع والطاعة له وكذلك مبايعة أئمة المسلمين وكتعاقد الناس على العمل بما أمر الله به ورسوله .

                ونفس التزام شرائع الإسلام من هذا الباب . فإن المؤمن التزمها بالإيمان وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ; فإن هذه الشهادة توجب عليه الوفاء بموجبها وهو تصديق الرسول فيما أتى به عن الله وطاعته فيما أوجبه وأمر به ; لأنه قد بلغ عن الله أن طاعته طاعته ومعصيته معصيته . وهذه الأصول مبسوطة في مواضع .

                والمقصود هنا : أنه إذا كان أصل الشرع أنه لا يلزمه إلا بإلزام الشارع له أو بالتزامه إياه . فإذا تنازع الفقهاء في فرع من فروع هذا الأصل رد إليه . ومن الفقهاء من يوفي به . ومنهم من لا يوفي به ; بل ينقضه في كثير من المسائل وإن كان الغالب عليه الوفاء به في أكثر المسائل ومن ذلك " مسائل النكاح والشروط فيه " .

                فإن القاعدة أيضا : أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على خلافه . وقد قيل : بل الأصل فيها عدم الصحة إلا ما دل الدليل على صحته ; لحديث عائشة . والأول هو الصحيح ; فإن الكتاب والسنة قد دلا على الوفاء بالعقود والعهود وذم الغدر [ ص: 347 ] والنكث ; ولكن إذا لم يكن المشروط مخالفا لكتاب الله وشرطه فإذا كان المشروط مخالفا لكتاب الله وشرطه كان الشرط باطلا . وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم { من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق } .

                فإن قوله : " من اشترط شرطا " أي مشروطا وقوله : " ليس في كتاب الله " أي ليس المشروط في كتاب الله فليس هو مما أباحه الله كاشتراط الولاء لغير المعتق والنسب لغير الوالد وكالوطء بغير ملك يمين ولا نكاح ونحو ذلك مما لم يبحه الله بحال . ومن ذلك تزوج المرأة بلا مهر ولهذا قال : { كتاب الله أحق وشرط الله أوثق } . وهذا إنما يقال : إذا كان المشروط يناقض كتاب الله وشرطه فيجب تقديم كتاب الله وشرطه ويقال : { كتاب الله أحق وشرط الله أوثق } .

                وأما إذا كان نفس الشرط والمشروط لم ينص الله على حله ; بل سكت عنه ; فليس هو مناقضا لكتاب الله وشرطه حتى يقال : { كتاب الله أحق وشرطه أوثق } فقوله : { من اشترط شرطا ليس في كتاب الله } أي مخالفا لكتاب الله . وسواء قيل : المراد من الشرط المصدر أو المفعول . فإنه متى خالف أحدهما كتاب الله خالفه الآخر ; بخلاف ما سكت عنه ، فهذا أصل .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية