الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 404 ] تنبيهات

                                                      [ التنبيه ] الأول

                                                      إذا قلنا بالحمل في هذه الحالة ، فإنما يكون عند قيام قرينة المجاز لا عند الإطلاق كما اقتضاه كلام ابن السمعاني ، إذ قال : واللفظ الواحد يجوز أن يحمل على الحقيقة والمجاز إذا تساويا في الاستعمال ، لكن إذا عري عن عرف الاستعمال لم يجز أن يحمل على المجاز إلا أن يقوم الدليل على أنه مراد به ، وقيام الدلالة على إرادة المجاز لا ينفي عن اللفظ إرادة الحقيقة ، هذا لفظه وهو الحق .

                                                      قال : والمسألة مفروضة في اللفظ الذي اشترك في عرف استعماله الحقيقة والمجاز معا .

                                                      وقال ابن حاتم الأزدي صاحب القاضي : إذا كان اللفظ موضوعا حقيقة لشيء ومجازا لغيره ، ثم ورد هل يحمل على الحقيقة مطلقا ، وبالقرينة على المجاز ، أم تتوقف الدلالة ، ولا يحمل على واحد منهما إلا بدليل ؟ اختلف أصحابنا فيه ، فمنهم من قال : يحمل على الحقيقة عند الإطلاق ، ومنهم من قال : لا يصرف إلى واحد منهما إلا بدليل . ا هـ .

                                                      قال ابن السمعاني : واللفظ والحالة هذه حقيقة ومجاز باعتبارين .

                                                      وزعم ابن الحاجب أن اللفظ حينئذ مجاز قطعا ، لأنه حينئذ استعمال في غير ما وضع له ، وحكاه ابن عبد السلام في كتاب " المجاز " عن بعضهم .

                                                      وقال بعض المتأخرين : الخلاف في هذه المسألة إنما هو إذا ظهر قصد [ ص: 405 ] المجاز بقرينة مع السكوت عن الحقيقة ، أو قصدهما معا ، أما إذا قصد الحقيقة فقط فالحمل عليها فقط بلا نزاع ، أو المجاز فقط اختص به بلا نزاع ، وإن لم يظهر قصد ، فلا مدخل للحمل على المجاز ، فإن اللفظ إنما يحمل على مجازه بقرينة ، ولهذا قالوا فيما إذا قال : وقفت على أولادي ونظائره : أنه لا يدخل أولاد الأولاد على الصحيح ، ونظيره ما لو أوصى لإخوة فلان وكانوا ذكورا وإناثا إخوة وأخوات .

                                                      قال الإمام في باب الوصية من " النهاية " : مذهب أبي حنيفة وظاهر مذهب الشافعي أنه يختص بالوصية الإخوة دون الأخوات ، وقال أبو يوسف ومحمد : للجميع وكذا كلام ابن السمعاني السابق ، وقد أفاد حالة أخرى ، وهي ما إذا تساويا في الاستعمال بأن يكثر المجاز كثرة توازي الحقيقة فيتساويان فيهما عند الإطلاق ، فيحصل أن الصور أربع :

                                                      أحدهما : أن تدل قرينة على إرادة المجاز مع السكوت عن الحقيقة .

                                                      ثانيها : أن تدل على إرادتهما جميعا .

                                                      ثالثها : أن لا تكون قرينة ، ولكن للمجاز شهرة وازى بها الحقيقة ، والخلاف ثابت في الكل والصحيح عندنا : الحمل عليها

                                                      رابعها : حالة الإطلاق مع عدم شهرة المجاز فلا يحمل فيهما على المجاز بلا خلاف ، لأن الخلاف مدفوع ما لم يدل عليه دليل ، وإذا ضممت الخلاف في هذه المسألة إلى المشترك خرج منه مذاهب :

                                                      ثالثها : التفصيل بين الحقيقتين فيجوز ، وبين الحقيقة والمجاز فيمتنع ، وهو ظاهر كلام القاضي ، وتفارق هذه الحالة ما قبلها على مذهب الشافعي : أن المشترك يحمل على معنييه حالة الإطلاق ، والحقيقة والمجاز لا يحمل عليهما إلا إذا ساوى المجاز الحقيقة لشهرة أو نحوهما كما تقدم .

                                                      ورابعها : عكسه وهو المنع في الحقيقتين قطعا ، وتردد في الحقيقة [ ص: 406 ] والمجاز ، وإليه صار الغزالي في " المستصفى " ، فإنه قطع بالجمع في الحقيقتين ، ثم قال في الحقيقة والمجاز : هو عندنا كالمشترك ، وإن كان التعميم منه أقرب قليلا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية