الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1977 - وعن عمار بن ياسر قال : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - . رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والدارمي .

التالي السابق


1977 - ( وعن عمار بن ياسر قال ) أي موقوفا " من صام اليوم الذي يشك فيه " على بناء المجهول ، قال الطيبي : لم يقل يوم الشك ، وأتى بالموصول للمبالغة تنبيها على أن صوم يوم يشك فيه أدنى شك يوجب عصيان من كنيته أبو القاسم ، الذي يقسم حكم الله بين عباده بحسب قدرهم واقتدارهم فكيف بمن صام يوما الشك فيه قائم ثابت ؟ ونحوه قوله - تعالى - ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار أي إلى الذي أونس منهم أدنى الظلم ، فكيف بالظالم المستمر عليه ؟ قال ابن الملك : هو محمول على أنه صام ناويا من رمضان ( فقد عصى أبا القاسم ) قال ابن الهمام : الشك هو استواء طرفي الإدراك من النفي والإثبات ، وموجبه هنا أن يغم الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فيشك في اليوم الثلاثين أمن رمضان هو أو من شعبان ؟ أو يغم من رجب هلال شعبان فأكملت عدته ولم يكن رؤي هلال رمضان فيقع الشك في الثلاثين من شعبان أهو الثلاثون أو الحادي والثلاثون ؟ ومما ذكر فيه من كلام غير أصحابنا ما إذا شهد من ردت شهادته وكأنهم لم يعتبروا ذلك لأنه إن كان في الصحو فهو محكوم بغلطه عندنا لظهوره ، فمقابله موهوم لا مشكوك ، وإن كان في غيم فهو شك وإن لم يشهد به أحد ، ثم قال : ومذهبنا إباحته ، ومذهب الشافعي كراهته إن لم يوافق صوما له ، ومذهب أحمد وجوب صومه بنية رمضان في أصح الروايتين عنه ، ذكره ابن الجوزي في التحقيق ، ثم هذا في عين يوم الشك ، فأما صوم ما قبله ففي التحفة قال : والصوم قبل رمضان بيوم أو يومين مكروه ، أي صوم كان ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تتقدموا رمضان " الحديث ، قال : وإنما كره - صلى الله عليه وسلم - ذلك خوفا من أن يظن أنه زيادة على صوم رمضان إذا اعتادوا ذلك ، وعن هذا قال أبو يوسف : يكره وصل رمضان بست من شوال ، ولا يخفى أن استدلال صاحب الهداية برواية " أن تصوموا غدا " واحتمال ابن الهمام مبني على رواية " فليصوموا " فلا معارضة ( رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي ) قال ميرك : كلهم من طريق صلة بن زفر عن عمار ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، ورواه البخاري تعليقا بصيغة الجزم ، ورواه الحاكم وقال : على شرط الشيخين كذا في التصحيح ، ورواه الخطيب والطبراني عن ابن عباس موقوفا ، قال ابن حجر : وصححه الأئمة ، وقول الصغاني : إنه موضوع ليس في محله ، ثم هذه العبارة من الصحابي لا تقال من قبل الرأي ، قال ابن الهمام : وإنما يحصل العلم الموجب بإخبار رجلين أو رجل وامرأتين ، أو واحد عدل ، وعندهما لا يشترط العدالة ولا البلوغ ولا الحرية ، ثم قال : والمراد بالعدل في ظاهر الرواية من ثبتت عدالته ، وفي رواية الحسن تقبل شهادة المستور ، وبه أخذ الحلواني ، فحاصل الخلاف المحقق في المذهب هو اشتراط ظهور العدالة أو الاكتفاء بالستر ، ثم قال : وهذا الحديث قد يتمسك به لرواية النوادر في قبول المستور ; لكن الحق أن لا يتمسك به بالنسبة لهذا الزمان ، لأن ذكره الإسلام [ ص: 1378 ] بحضرته - صلى الله عليه وسلم - حين سأله عن الشهادتين إن كان هذا أول إسلامه فلا شك في ثبوت عدالته لأن الكافر إذا أسلم أسلم عدلا إلى أن يظهر خلافه منه ، وإن كان إخبارا عن حاله السابق فكذلك ، لأن عدالته قد ثبتت بإسلامه فيجب الحكم ببقائها ما لم يظهر الخلاف ، ولم يكن الفسق غالبا على أهل الإسلام في زمانه - صلى الله عليه وسلم - فتعارض الغلبة ذلك الأصل فيجب التوقف إلى ظهورها ، وقال ابن الهمام : وإنما ثبت موقوفا على عمار ، وذكره البخاري تعليقا عنه فقال : وقال صلة عن عمار : " من صام يوم الشك " إلخ ، وأصل الحديث ما رواه أصحاب السنن الأربعة في كتبهم ، وصححه الترمذي عن صلة بن زفر قال : كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه ، فأتى بشاة مصلية فتنحى بعض القوم ، فقال عمار : من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم ، ثم قال : وهو حديث موقوف لا يعارض حديث السرر كما سيأتي ، وإلا ولي حمله على إرادة صومه عن رمضان وكأنه فهم من الرجل المتنحي قصد ذلك فلا تعارض حينئذ أصلا .




الخدمات العلمية