الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : أي فرق بين التعريفين في قوله : وأنزلنا إليك الكتاب وقوله : لما بين يديه من الكتاب ؟ قلت الأول : تعريف العهد ، لأنه عنى به القرآن ، والثاني : تعريف الجنس ، لأنه عنى به جنس الكتب المنزلة : ويجوز أن يقال : هو للعهد; لأنه لم يرد به ما يقع عليه اسم الكتاب على الإطلاق ، وإنما أريد نوع معلوم منه ، وهو ما أنزل من السماء سوى القرآن ومهيمنا : ورقيبا على سائر الكتب; لأنه يشهد لها بالصحة والثبات ، وقرئ : "مهيمنا عليه" بفتح الميم ، أي : هومن عليه بأن حفظ من التغيير والتبديل ، كما قال : لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه [فصلت : 42] والذي هيمن الله عليه عز وجل أو الحفاظ في كل بلد ، لو حرف حرف منه أو حركة أو سكون لتنبه عليه كل أحد ، ولاشمأزوا رادين ومنكرين . ضمن ولا تتبع معنى ولا تنحرف; فلذلك عدي بـ “ عن" كأنه قيل : ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعا أهواءهم لكل جعلنا منكم أيها الناس ، [ ص: 247 ] شرعة شريعة ، وقرأ يحيى بن وثاب بفتح الشين ومنهاجا : وطريقا واضحا في الدين تجرون عليه ، وقيل : هذا دليل على أنا غير متعبدين بشرائع من قبلنا لجعلكم أمة واحدة : جماعة متفقة على شريعة واحدة ، أو ذوي أمة واحدة أي : دين واحد لا اختلاف فيه ولكن أراد ليبلوكم في ما آتاكم من الشرائع المختلفة ، هل تعلمون بها مذعنين معتقدين أنها مصالح قد اختلفت على حسب الأحوال والأوقات ، معترفين بأن الله لم يقصد باختلافها إلا ما اقتضته الحكمة؟ أم تتبعون الشبه وتفرطون في العمل؟ فاستبقوا الخيرات : فابتدروها وتسابقوا نحوها إلى الله مرجعكم استئناف في معنى التعليل لاستباق الخيرات فينبئكم : فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم ، وعاملكم ومفرطكم في العمل .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية