الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 375 ] ( وإذا صلى أمي بقوم يقرءون وبقوم أميين فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة رحمه الله ) وقالا : صلاة الإمام ومن لا يقرأ تامة لأنه معذور أم قوما معذورين وغير معذورين فصار كما إذا أم العاري عراة ولابسين . وله أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها فتفسد صلاته ، وهذا لأنه لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته قراءة له بخلاف تلك المسألة وأمثالها لأن الموجود في حق الإمام لا يكون موجودا في حق المقتدي ( ولو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده جاز ) [ ص: 376 ] هو الصحيح لأنه لم تظهر منهما رغبة في الجماعة ( فإن قرأ الإمام في الأوليين ثم قدم في الأخريين أميا فسدت صلاتهم ) وقال زفر رحمه الله : لا تفسد لتأدي فرض القراءة . ولنا أن كل ركعة صلاة فلا تخلى عن القراءة إما تحقيقا [ ص: 377 ] أو تقديرا ولا تقدير في حق الأمي لانعدام الأهلية ، وكذا على هذا لو قدمه في التشهد .

التالي السابق


( قوله فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة إلخ ) وعلى هذا الخلاف إذا أم الأخرس قارئين وخرسا .

والأمي : نسبة إلى أمة العرب وهي الأمة الخالية من العلم والكتابة فاستعير لمن لا يعرف الكتابة والقراءة ( قوله وأمثالها ) مما إذا أم المعذور والمومئ مثلهما وأعلى منهما حيث تصح صلاة الإمام ومن بحاله اتفاقا لأنه لم يترك مع القدرة إذ بالائتمام بالصحيح والراكع الساجد لم يصر محصلا للطهارة والأركان ومقتضى هذا صحة افتتاح الكل لأن الأمي قادر على التكبير ثم تفسد أوان القراءة لتركها مع القدرة وصلاتهم [ ص: 376 ] لعدمها في حقهم حقيقة وحكما لعجزه ، يروى هذا عن الكرخي ، وإنما لا يلزم المقتدي به متنفلا القضاء مع أنه فساد بعد الشروع لأنه إنما صار شارعا في صلاة لا قراءة فيها ، والشروع كالنذر .

ولو نذر صلاة بلا قراءة لا يلزمه شيء إلا في رواية عن أبي يوسف كذلك ، هذا وصحح في الذخيرة عدم صحة الشروع . وجهه أنه لا فائدة في الحكم بصحته لأن الفائدة إما في لزوم الإتمام أو وجوب القضاء وكلاهما منتف ، ثم عن القاضي أبي حازم : إنما تفسد صلاة الأمي والأخرس إذا علما أن خلفهما قارئ ، وفي ظاهر الرواية : لا فرق لأن الفرائض لا يختلف الحال فيها بين الجهل والعلم ، وشرط الكرخي للفساد في إمامة القارئ نية الإمامة لأنه يأتيه الفساد من قبله فيتوقف على التزام .

وقيل لا يشترط وهو الأولى لأن الوجه المذكور وهو ترك الفرض مع القدرة عليه بعد ظهور الرغبة في صلاة الجماعة يوجب الفساد وإن لم ينو ( قوله هو الصحيح ) في شرح الطحاوي لا رواية عن أبي حنيفة فيه ، واختلف فيه ، فقيل تفسد في قياس قوله لأن الوجه السابق يقتضيه . ونقل عن أبي حازم وصحح الشيخ عدمه .

وفي النهاية : لو افتتح الأمي ثم حضر القارئ قيل تفسد ، وقال الكرخي لا لأنه إنما يقدر على جعلها بقراءة قبل الافتتاح ، ولو حضر الأمي بعد افتتاح القارئ فلم يقتد به وصلى منفردا الأصح أن صلاته فاسدة .

ونقل في المحيط : رأيت في بعض النسخ لو كان القارئ على باب المسجد أو بجواره والأمي يصلي فيه وحده فهي جائزة بلا خلاف ، وكذا إذا كان القارئ في صلاة غير صلاة الأمي جاز للأمي الصلاة دون انتظار له بالاتفاق انتهى .

وفي الكافي : إذا كان بجواره من يقرأ ليس عليه طلبه وانتظاره لأنه لا ولاية عليه ليلزمه ، وإنما ثبتت القدرة إذا صادفه حاضرا مطاوعا انتهى .

وأصحية الفساد في الثانية لا شك أنه مع ظهور عدم الرغبة في الجماعة ، وعلى هذا فالخلافية التي يحمل تصحيح المصنف فيها عدم الفساد إما أن تكون إذا شرعا معا منفردين والأمي يعلم أن القارئ يريد الشروع في المكتوبة ، وهو محمل ما في الكافي من ثبوت القدرة إذا كان حاضرا مطاوعا مع نفيه وجوب الطلب منه ، وإلا فالمطاوعة وعدمها إنما تعرف بعد الطلب ، وإما أن تكون صورة خلافية الكرخي ، ولا يخفى أن الأوجه فيها تعليل الكرخي لا المصنف .

فإن قيل : القدرة بقدرة الغير لا تعتبر عند أبي حنيفة ولهذا لم تجب الجمعة والحج على الأعمى وإن وجد قائدا . قلنا : إنما لا تعتبر قدرة الغير إذا تعلق باختيار ذلك الغير ، وهنا الأمي قادر على الاقتداء بالقارئ بلا اختياره فينزل قادرا على القراءة ، ومن الفروع المنقولة لو تحرم ناويا أن لا يؤم أحدا فائتم به رجل صح اقتداؤه ( قوله وقال زفر : لا تفسد ) وهو رواية عن أبي يوسف [ ص: 377 ] قوله وكذا على هذا ) أي على هذا الخلاف لو قدمه في التشهد : أي قبل أن يقعد قدره بناء على عدم صلاحية الأمي لإمامة القارئ فصار كاستخلاف صبي وامرأة ، أما لو قدمه بعد قدره صح عندهما خلافا لأبي حنيفة ، وهي إحدى المسائل الاثني عشرة .

وقيل لا تفسد عند الكل وجعله التمرتاشي أولى . أما عندهما فظاهر ، وأما عنده فلوجود الصنع منه ، هذا والأمي يجب عليه كل الاجتهاد في تعلم ما تصح به الصلاة ثم في القدر الواجب وإلا فهو آثم وقدمنا نحوه في إخراج الحرف الذي لا يقدر على إخراجه . وسئل ظهير الدين عن القيام هل يتقدر بالقراءة ؟ فقال لا وكذلك ذكر في اللاحق في الشافي .




الخدمات العلمية