الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإن أم اثنين تقدم عليهما ) وعن أبي يوسف رحمه الله يتوسطهما ، ونقل ذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . [ ص: 42 - 43 ] ولنا { أنه عليه الصلاة والسلام تقدم على أنس واليتيم حين صلى بهما } ، فهذا للأفضلية ، والأثر دليل الإباحة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع والستون : روي عن ابن مسعود أنه أم اثنين ، فتوسطهما ، قلت : أخرجه مسلم في " صحيحه " عن إبراهيم عن علقمة . والأسود أنهما دخلا على عبد الله ، فقال : أصلى من خلفكم ؟ قالا : نعم ، فقام بينهما ، فجعل أحدهما عن يمينه . والآخر عن شماله ، ثم ركعنا ، فوضعنا أيدينا على ركبنا ، ثم طبق بين يديه ، ثم جعلهما بين فخذيه ، فلما صلى ، قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى .

                                                                                                        ورواه أبو داود في " سننه " ، لم يذكر فيه التطبيق ، ولفظه : قال : استأذن علقمة . والأسود على عبد الله ، فأذن لهما ، ثم قام فصلى بينهما ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ، قال المنذري في " مختصره " : قال أبو عمر بن عبد البر : هذا الحديث لا يصح رفعه ، والصحيح [ ص: 42 ] عندهم التوقيف على ابن مسعود ، أنه صلى كذلك بعلقمة والأسود ، قال : وهذا الذي أشار إليه أبو عمر قد أخرجه مسلم في " صحيحه " أن ابن مسعود صلى بعلقمة والأسود ، وهو موقوف ، وقال بعضهم : إنه منسوخ ، لأنه إنما تعلم هذه الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، وفيها التطبيق ، وأحكام أخرى ، هي الآن متروكة ، وهذا الحكم من جملتها ، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تركه . انتهى كلامه .

                                                                                                        وقال النووي في " الخلاصة " : الثابت في " صحيح مسلم " أن ابن مسعود فعل ذلك ، ولم يقل : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ، ورواه أبو داود مرفوعا بسند فيه هارون بن عنترة ، وهو وإن وثقه أحمد . وابن معين ، فقد قال الدارقطني : هو متروك ، كان يكذب ، وهذا جرح مفسر ، فيقدم على التعديل ، ورواه البيهقي من طريق ابن إسحاق عن ابن الأسود به ، وابن إسحاق مشهور بالتدليس ، وقد عنعن ، والمدلس إذا عنعن لا يحتج به بالاتفاق . انتهى كلامه . قلت : كأنهما ذهلا ، فإن مسلما أخرجه من ثلاث طرق ، لم يرفعه في الأوليين ، ورفعه في الثالثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والدليل عليه أن الترمذي ، قال في " جامعه " : وروي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود ، فقام بينهما ، قال : ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي وأحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ، قال : دخلت أنا وعلقمة على ابن مسعود بالهاجرة ، فلما زالت الشمس أقام الصلاة ، فقمت أنا وصاحبي خلفه ، فأخذ بيدي وبيد صاحبي ، فجعلنا عن يمينه ويساره ، وقام بيننا ، وقال : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ، إذا كانوا ثلاثة انتهى .

                                                                                                        وضعف بابن إسحاق ، وقد عنعن ، وهو مدلس .

                                                                                                        وأجيب عن حديث ابن مسعود هذا بثلاثة أجوبة : أحدها : أن ابن مسعود لم يبلغه حديث أنس الآتي ذكره عقيب هذا الحديث . الثاني أنه كان لضيق المسجد ، رواه الطحاوي في " شرح الآثار " بسنده عن ابن سيرين أنه قال : لا أرى ابن مسعود فعل ذلك إلا لضيق المسجد ، أو لعذر آخر ، لا على أنه من السنة . انتهى .

                                                                                                        والثالث : ذكره البيهقي في " المعرفة " ، قال : وأما ما روي عن ابن مسعود ، فقد قال فيه ابن سيرين : إنه كان لضيق المسجد ، وقد قيل : إنه { رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي . وأبو ذر عن يمينه ، كل واحد يصلي [ ص: 43 ] لنفسه ، فقام ابن مسعود خلفهما ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بشماله ، فظن عبد الله أن ذلك سنة الموقف ، ولم يعلم أنه لا يؤمهما ، وعلمه أبو ذر ، حتى قال ، فيما روي عنه : يصلي كل رجل منا لنفسه } ، وذهب الجمهور إلى ترجيح رواية غيره على روايته بكثرة العدد ، والقائلين به ، وبسلامته من الأحكام المنسوخة انتهى .

                                                                                                        وقال الحازمي في " كتابه الناسخ والمنسوخ " : وحديث ابن مسعود منسوخ ، لأنه إنما تعلم هذه الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، وفيها التطبيق ، وأحكام أخرى هي الآن متروكة ، وهذا الحكم من جملتها ، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تركه ، بدليل ما أخرجه مسلم عن عبادة بن الوليد عن جابر ، قال : { سرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ، فقام يصلي . قال : فجئت حتى قمت عن يساره ، فأخذ بيدي ، فأدارني حتى أقامني عن يمينه ، فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره ، فأخذنا بيديه جميعا ، فدفعنا حتى أقامنا خلفه }انتهى .

                                                                                                        قال : وهذا دال على أن هذا الحكم هو الآخر ; لأن جابر إنما شهد المشاهد التي كانت بعد بدر ، ثم في قيام ابن صخر عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم أيضا دلالة على أن الحكم الأول كان مشروعا ، وأن ابن صخر كان يستعمل الحكم الأول حتى منع منه ، وعرف الحكم الثاني .

                                                                                                        الحديث الثامن والستون : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم على أنس ، واليتيم حين صلى بهما } ، قلت : أخرجه الجماعة ، إلا ابن ماجه عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك ، { أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته ، فأكل منه ، ثم قال : قوموا فلأصل لكم ، قال أنس : فقمت إلى حصير لنا ، قد اسود من طول ما لبث ، فنضحته بماء ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا . واليتيم وراءه ، والعجوز من ورائنا ، فصلى لنا ركعتين ، ثم انصرف }. انتهى .

                                                                                                        واليتيم ، هو ضميرة بن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، له ، ولأبيه صحبة ، قال أبو عمر : قوله : جدته مليكة ، مالك يقوله ، والضمير عائد على إسحاق ، وهي جدة إسحاق أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة [ ص: 44 ] وهي أم سليم بنت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري ، وهي أم أنس بن مالك ، وقال غيره : الضمير يعود على أنس ، وهو القائل : إن جدته ، وهي جدة أنس بن مالك أم أمه ، واسمها مليكة بنت مالك بن عدي ، ويؤيد ما قاله أبو عمران في بعض طرق الحديث : إن { أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيها } ، أخرجه النسائي عن يحيى بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله ، فذكره .

                                                                                                        وأم سليم هي أم أنس ، جاء ذلك مصرحا في " البخاري " ، وقال النووي في " الخلاصة " : الضمير في جدته لإسحاق على الصحيح ، وهي أم أنس ، وجدة إسحاق ، وقيل . جدة أنس ، وهو باطل ، وهي أم سليم ، صرح به في رواية للبخاري ، واليتيم ، هو : ضميرة بن سعد الحميري انتهى كلامه . ومن أحاديث الباب : ما أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه ، قال : { قام النبي صلى الله عليه وسلم فقمت عن يساره . فأخذ بيدي ، فأدارني حتى أقامني عن يمينه ، ثم جاء جبار بن صخر ، فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بأيدينا جميعا ، فدفعنا حتى أقامنا خلفه } ، مختصر من حديث طويل في " آخر مسلم " وهو عقيب حديث : أصحاب الأخدود .




                                                                                                        الخدمات العلمية