الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 478 ] لنا وجوه :

                الأول : إجماع علماء الأمة من الصحابة وغيرهم على التمسك بعمومات الكتاب والسنة وكلام العرب ما لم يوجد دليل مخصص . وكانوا يطلبون دليل الخصوص ، لا العموم ، وهم أهل اللغة .

                الثاني : أن صيغ العموم تعم حاجة كل لغة إليها ; فيمتنع عادة إخلال الواضع الحكيم بها مع ذلك .

                الثالث : أن من قال : اقطع السارق ، واجلد الزاني ، واقتل المشركين ، وارحم الناس ، والحيوان ، وعبيدي أحرار ، وما لي صدقة ، ومن جاءك فأكرمه ، وأي رجل لقيت فأعطه درهما ، وأين وأيان ومتى وجدت زيدا فاقتله ، وكل أو جميع من دعاك فأجبه ، ولا رجل في الدار ، يفهم العموم من ذلك كله في عرف أهل اللسان .

                الواقفية ما زاد على أقل الجمع يحتمل إرادته وعدمها ; فلا يثبت بالشك ، ولأن الدليل على وضع هذه الصيغ للعموم ليس عقليا ، إذ لا أثر للعقل في اللغات ، ولا نقليا ، إذ تواتره مفقود ، وآحاده لا يفيد العلم ، ولأن العرب استعملتها في الخصوص والعموم ; فأفاد الاشتراك ، وإلا كان جعلها موضوعة لأحدهما تحكما .

                وأجيب : بأن دعوى الشك وعدم الدليل مع ما ذكرناه من الإجماع لا يسمع ، واستعمالهم لها في الخصوص مجاز بقرائن .

                الآخر : اللام تستعمل للاستغراق ، ولبعض الجنس ، وللمعهود فبم تختص بالعموم .

                قلنا : بالقرينة ، إذ وجود المعهود قرينة تصرفها إليه ، وإلا فإلى الجنس . ثم هي تستغرق المعهود إذا صرفت إليه . فكذا الجنس إذا صرفت إليه ، [ ص: 479 ] وحينئذ استعمالها في بعض الجنس مجاز كاستعمالها في بعض المعهود مجاز لقرينة ، وجواب الآخر حصل بما سبق .

                الآخر : يحسن ما عندي رجل بل رجلان ، بخلاف : ما عندي من رجل .

                قلنا : النفي إذا وقع على النكرة ، اقتضى نفي ماهيتها وهي لا تنتفي إلا بانتفاء جميع أفرادها ، وهذا قاطع ; فوجب تأويل ما ذكرت على أن قوله : بل رجلان قرينة أنه لم يرد نفي الماهية ، بل إثبات ما أثبت منها .

                التالي السابق


                قوله : " لنا " ، أي : على أن الألفاظ المذكورة موضوعة لإفادة العموم وجوه :

                أحدها : أن علماء الأمة من الصحابة وغيرهم أجمعوا على التمسك بعمومات الكتاب والسنة وكلام العرب من الألفاظ المذكورة ، إلا أن يوجد مخصص ; فيخصون به العموم ، وكانوا في اجتهادهم واستدلالهم إنما يطلبون دليل الخصوص ليخصوا به العموم ، لا دليل العموم مع وجود الصيغ المذكورة ; فكانوا يجعلون ألفاظ العموم المذكورة أسا يعتمدون عليه ، فإذا ظهر لهم مخصص ، أعملوه بحسبه ، وهم أهل اللغة ; فدل على أنهم فهموا منها العموم لغة بالوضع ، إذ الأصل عدم القرائن المنضمة إليه لتفيده .

                فمن ذلك أنهم استدلوا على إرث فاطمة رضي الله عنها من أبيها صلى الله عليه وسلم ، بعموم قوله عز وجل : يوصيكم الله في أولادكم [ النساء : 11 ] ، حتى روى أبو بكر رضي الله عنه حديث : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة ، فخصوا به العموم .

                [ ص: 480 ] ولما نزلت : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير ، قال ابن أم مكتوم : إني ضرير البصر ; فنزل قوله عز وجل : غير أولي الضرر [ النساء : 95 ] ; فخصه وغيره من أولي الضرر من العموم .

                وقد سبقت حكاية ابن الزبعرى في قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [ الأنبياء : 98 ] ، الآية ، في قضايا كثيرة غير ذلك .

                فهذا إجماع من العلماء من أهل اللغة وغيرهم أن الصيغ المذكورة للعموم .

                الوجه " الثاني : أن صيغ العموم تعم حاجة كل لغة إليها " ، وإذا كان كذلك ، امتنع في العادة إخلال الواضع الحكيم بها مع عموم الحاجة إليها .

                أما أن الحاجة تعم إليها في كل لغة ; فلأن اللغة إنما جعلت للإبانة عما في نفوس العقلاء ، وكما يحتاج العاقل إلى البيان عن المسمى الخاص ، كالرجل ونحوه ، كذلك يحتاج إلى البيان عن المسمى العام ، كالرجال ونحوهم ; لأن الكل يخطر في النفوس ويتعلق ببيانه الغرض . وأما أنه يمتنع في العادة إخلال [ ص: 481 ] الواضع بوضع صيغ العموم ; فلأنا فرضناه حكيما ; فلو أخل بهذه المصلحة العامة ، لم يكن حكيما هذا خلف .

                فإن قيل : عندكم لا يجب على الله تعالى رعاية المصالح ; فلعله أخل بهذه المصلحة ، لعدم وجوبها عليه .

                قلت : إن منعنا أن واضع اللغة هو الله عز وجل ، لم يلزمنا هذا السؤال ، وإن سلمناه ; فهو معارض بأن اللغة من مقدمات التكليف الذي لا يمكن إلا به ; فلو كلفهم بدونه ، لزم تكليف ما لا يطاق .

                فإن قيل : لا نسلم أنه لا يمكن التكليف بدون اللغة لجواز أن يخلق في قلوب المكلفين علوما يدرك كل واحد منهم بها ما في قلب صاحبه .

                قلنا : فذلك أيضا غير واجب ; فجاز أن يتركه لعدم وجوبه كما قلتم في اللغة ، وحينئذ يدور الأمر بين وضع لغة يتفاهمون بها ، وبين خلق علوم يدركون بها ما في نفوسهم ; فترجح وضع اللغة بإرادة الله عز وجل .

                الوجه الثالث : أن إطلاق الألفاظ المذكورة يفهم منها العموم في عرف أهل اللسان ; فتكون للعموم . أما أنها يفهم منها العموم ; فلأن " من قال : اقطع السارق ، واجلد الزاني ، واقتل المشركين ، وارحم الناس والحيوان ، وعبيدي أحرار ، ومالي صدقة ، ومن جاءك فأكرمه ، وأي رجل لقيت [ ص: 482 ] فأعطه درهما ، وأين وأيان ومتى وجدت زيدا ; فاقتله ، وكل أو جميع من دعاك فأجبه ، ولا رجل في الدار " فإن أهل اللسان يفهمون العموم من ذلك كله على ما دلت عليه أقاويلهم ووقائعهم في محاوراتهم ، وثبت ذلك عنهم بالنقل المفيد للعلم لمن استقرأ ذلك .

                وأما أنهم إذا فهموا العموم من هذه الألفاظ تكون للعموم ; فلما سبق من أنهم أهل اللغة ، وقد فهموا ذلك منها ، والأصل عدم القرائن ; فتعين أن تكون دالة عليه بالوضع .

                فثبت بهذه الوجوه الثلاثة أن الصيغ المذكورة موضوعة للعموم ، ومما يدل على أن للعموم صيغة موضوعة ما صح في الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون في تشهدهم : السلام على الله قبل عباده الصالحين ، السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل ، السلام على فلان ، وفلان ; فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا هكذا ، ولكن قولوا : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ; فإنكم إذا قلتم ذلك ; فقد سلمتم على كل عبد لله صالح . ووجه دلالته أنه عليه السلام أخبر أن مقتضى لفظ [ ص: 483 ] الصالحين في اللغة العموم والاستغراق ، وحسبك به من أهل اللغة والصدق .

                قوله : " الواقفية " ، أي : احتج الواقفية على أن الصيغ المذكورة ليست للعموم ، بل لما ذكروه قبل بوجوه :

                أحدها : أن أقل الجمع متحقق الإرادة من الصيغ المذكورة ، نحو الرجال ، وما زاد عليه يحتمل أن يكون مرادا وأن لا يكون ، وإذا احتمل واحتمل ; فلا تثبت إرادته بالشك والاحتمال مع أن الأصل عدم إرادته ; فيستصحب حاله .

                الوجه الثاني : أن الدليل على وضع هذه الصيغ للعموم إما أن يكون عقليا أو نقليا ، والأول باطل ، إذ لا أثر ولا مدخل للعقل في اللغات ; لأن طريقها التوقيف ، أو الاصطلاح . والثاني باطل أيضا ; لأن النقل إما تواتر أو آحاد ، والتواتر مفقود ، إذ لو نقل أن هذه الصيغ للعموم بالتواتر ، لاشتركنا فيه جميعا ، ولم يختص به أحد الفريقين كسائر القضايا المتواترة ، وأما نقله بطريق الآحاد ; فهو غير مفيد للعلم ، بل للظن ; فلا يثبت به هذا الأصل العام العظيم الخطر .

                الوجه الثالث : أن العرب استعملت هذه الصيغ في الخصوص تارة ، وفي العموم أخرى على ما عرف من كلامهم المنقول عنهم ، وذلك يدل على أنها مشتركة بين كل ما استعملوها فيه من الاستغراق وأقل الجمع وما بينهما ، فلو لم تجعل للاشتراك ، لكان جعلها موضوعة لأحد الأمور المذكورة تحكما وترجيحا من غير مرجح ، وهو باطل ; فثبت بهذه الوجوه أن العموم لا صيغة له بالوضع .

                [ ص: 484 ] - قوله : " وأجيب " ، أي : عن هذه الوجوه التي ذكرها الواقفية .

                أما عن الوجه الأول والثاني فقولهم : ما زاد عن أقل الجمع مشكوك فيه ; فلا يثبت بالشك . وقولهم : إن الدليل على أنها للعموم إما العقل ، أو النقل ، وكلاهما منتف .

                قلنا : هذا لا يسمع مع ما ذكرناه من إجماع العلماء على التمسك في العموم بالصيغ المذكورة ; لأنه استدلال مصادم للإجماع . ثم نقول : هب أن ما زاد على أقل الجمع يحتمل أنه مراد من الصيغة ، ويحتمل أنه غير مراد ، لكن ليس الاحتمالان على السواء ، بل احتمال إرادته أظهر وهكذا نقول : إن دلالة صيغ العموم عليه ظاهرة لا قاطعة .

                وأما قولهم : الدليل على ذلك إما عقلي أو نقلي .

                قلنا : نقلي .

                قولهم : تواتره مفقود .

                قلنا : لا نسلم ، بل هو موجود لمن استقرأ كلام أهل اللغة ، ونظر في وقائعهم ، وإنما لم يحصل لكم العلم بأنها للعموم ; لأنكم لم تستقرئوا مواقعها في اللغة ومخاطبات أهلها ، والتواتر إنما يفيد العلم من شارك في سببه ، وإلا لاشترك أهل الشرق والغرب في كل قضية تواترية عندهم ، وهو باطل بالضرورة .

                سلمناه ، لكن قولكم آحاده لا يفيد العلم .

                قلنا : نعم ، لكن المسألة ظنية لا تتوقف على إفادة العلم . وهذا معنى قوله : " وأجيب " عن الوجهين الأولين " بأن دعوى الشك ، وعدم الدليل مع ما ذكرناه من الإجماع لا يسمع " .

                [ ص: 485 ] وأما عن الوجه الثالث ، وهو أن العرب استعملت الصيغ المذكورة في العموم والخصوص ; فبأن استعمالهم لها في الخصوص على جهة المجاز بقرائن أفادت التجوز ، وذلك لا ينفي كونها للعموم بالوضع .

                قوله : " الآخر " ، أي : احتج الآخر وهو الذي قال : لا عموم فيما فيه اللام ، فإن اللام تستعمل للاستغراق تارة . نحو : فاقتلوا المشركين [ التوبة : 5 ] ، إن المتقين في جنات ونهر [ القمر : 54 ] ، ولبعض الجنس تارة ، نحو : شربت الماء ، وأكلت الخبز ، والمراد بعضه بالضرورة . وللمعهود تارة نحو : لقيت الدابة ; فركبت الدابة ، وقوله عز وجل : كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول [ المزمل : 16 ] ، أي : الرسول المعهود في الخطاب ، وإذا كانت تستعمل في هذه المعاني فبأي شيء تختص بإفادة العموم ، وهل ذلك إلا ترجيح بلا مرجح .

                قوله : " قلنا بالقرينة " ، أي : قلنا : إنما استعملت في بعض الجنس وفي المعهود بالقرينة . أما في بعض الجنس ; فلأن من قال : شربت الماء ، علمنا بقرينة العقل أنه إنما يريد بعض الماء ، وهو قدر ما يذهب عطشه لاستحالة أن يشرب كل ماء في الأرض بل في الوجود . وأما في المعهود ; فلأن وجود المعهود قرينة تصرف اللام إليه ، فإن لم يوجد معهود ، وجب صرفها إلى الجنس ، وهو المراد بالعموم ; فاستعمالها في المعهود وبعض الجنس بالقرينة لا بالوضع حتى يكون صرفها إلى العموم تحكما .

                قوله : " ثم هي تستغرق المعهود " ، إلى آخره . هذا إلزام قياسي للخصم ، وتقريره أن المعهود بعض موارد اللام كما ذكرت ، ثم هي إذا استعملت للمعهود ، استغرقته ، وتناولت جميعه ; فكذا ينبغي في الجنس إذا [ ص: 486 ] استعملت فيه أن تستغرقه وهو المراد بالعموم . وهذا مع ما قبله من أن استعمالها في المعهود وبعض الجنس بالقرينة يفيد أنها للعموم بحق الأصل .

                قوله : " وحينئذ استعمالها في بعض الجنس مجاز كاستعمالها في بعض المعهود " . هذا تقرير لكون استعمال اللام في بعض الجنس مجازا . وتقريره أنه حيث ثبت بما سبق أن اللام تستغرق المعهود والجنس إذا استعملت فيهما ، دل على أن استعمالها في بعض الجنس مجاز ، كما أنها إذا دلت على بعض المعهود لقرينة ، كان ذلك مجازا ، كما إذا قال : لقيت جمعا من الرجال والصبيان ; فأمرت الجمع بالصلاة ، فإن اللام إنما تنصرف إلى بعض الجمع وهم المكلفون دون الصبيان بقرينة وضع القلم عنهم .

                قوله : " وجواب الآخر " ، يعني الذي قال : لا عموم إلا فيما فيه اللام ، " حصل بما سبق " من الوجوه الثلاثة الدالة على أن غير اللام من الصيغ المذكورة تقتضي العموم أيضا ، وهي إجماع العلماء على التمسك في العموم بها ، واقتضاء حكمة الواضع وضعها للعموم ، وفهم العموم من إطلاقها في عرف اللسان ، وقد تقرر ذلك كله .

                قوله : " الآخر " ، أي : احتج الآخر ، وهو الذي يقول : لا عموم في النكرة إلا مع من ظاهرة أو مقدرة ، وتقرير حجته أنه يحسن أن يقال : ما عندي رجل ، بل رجلان ، ولا يحسن أن يقال : ما عندي من رجل بل رجلان ، وذلك يدل على أن : ما عندي من رجل يعم لامتناع إثبات [ ص: 487 ] الزيادة عليه لإفضائه إلى التناقض في عرف اللسان ، وأن ما عندي رجل ، لا يعم لجواز الزيادة عليه وعدم إفضائه إلى التناقض في عرف اللسان ، ولا فرق بين الصورتين إلا إثبات من وعدمها ; فدل على أنها هي المؤثرة في العموم في هذا الباب ، ويلحق بثبوتها تحقيقا ثبوتها تقديرا ، لاشتراكهما في المعنى ، وسر هذا التقدير أن من موضوعة للدلالة على الجنس ، فإذا دخل النفي عليها تحقيقا أو تقديرا ، كما سبق مثاله ، أفاد نفي الجنس وهو معنى الاستغراق والعموم ، وإذا لم يدخل عليها ، لم يفد نفي الجنس ، بل نفي الشخص المذكور مبهما .

                مثاله : ما في الدار من رجل ، يقتضي نفي جنس الرجال من الدار ، وما في الدار رجل ، يقتضي نفي رجل واحد مبهم من جنس الرجال ، ولذلك جاز أن يخبر بإثبات زيادة عليه ، نحو بل عندي رجلان أو أكثر ، ومن ثم وجب بناء لا مع النكرة بعدها ، نحو لا رجل في الدار ، قالوا : لأن هذا جواب سائل سأل ; فقال : هل من رجل في الدار ؟ والجواب يجب أن يكون طبق السؤال ; فتقدير الجواب لا من رجل في الدار لكن حذفت " من " من الجواب لدلالتها عليه في السؤال . ثم ضمن الكلام معناها ، [ ص: 488 ] فبني ، كما أن خمسة عشر لما تضمنت معنى واو العطف في خمسة وعشرة ، بنيت لأن الاسم إذا تضمن معنى الحرف أشبه الحرف من جهة إفادته معناه ; فبني كما يبنى الحرف .

                قولنا : " قلنا : النفي " إلى آخره . هذا جواب دليل هذا القائل .

                وتقريره أن النفي إذا وقع على النكرة ، اقتضى نفي ماهيتها ، وماهيتها لا تنتفي إلا بانتفاء جميع أفرادها ، كما إذا قال : لا صلاة بغير طهور ; فإنه نفي لماهية الصلاة ، وهو لا يحصل إلا بانتفاء جميع أفراد الصلاة بغير طهور في جميع الأوقات والأماكن . وهذا الدليل قاطع في العموم ، وحينئذ يجب تأويل ما ذكرت أيها الخصم من الدليل على عدم العموم ; لأنه غير قاطع ، وما ذكرناه قاطع ، وإذا اجتمع القاطع وغيره ، كان تقديم القاطع ما لم يعارضه معارض أولى .

                ووجه تأويل ما ذكرته من الدليل هو أن قوله : ما عندي رجل ، لو اقتصر عليه ، لاقتضى العموم بما ذكرناه من الدليل ، لكن قوله : بل رجلان ، قرينة دلت على أنه لم يرد نفي ماهية الرجل ، بل نفي واحد من الجنس ، وإثبات ما أثبت منه ، وهو اثنان ; فكان ذلك قرينة متصلة صارفة عن إرادة العموم ، كما لو قال : كل الرجال رأيت إلا جعفرا ، والله تعالى أعلم .




                الخدمات العلمية