الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 268 ] ( ويكره ) تحريما ( بيع السلاح من أهل الفتنة إن علم ) لأنه إعانة على المعصية ( وبيع ما يتخذ منه كالحديد ) ونحوه يكره لأهل الحرب ( لا ) لأهل البغي لعدم تفرغهم لعمله سلاحا لقرب زوالهم ، بخلاف أهل الحرب زيلعي .

قلت : وأفاد كلامهم أن ما قامت المعصية بعينه يكره بيعه تحريما وإلا فتنزيها نهر . وفي الفتح : ينفذ حكم قاضيهم لو عادلا وإلا لا ، ولو كتب قاضيهم إلى قاضينا كتابا ، فإن علم أنه قضى بشهادة عدلين نفذه وإلا لا .

[ ص: 268 ]

التالي السابق


[ ص: 268 ] مطلب في كراهة بيع ما تقوم المعصية بعينه ( قوله : تحريما ) بحث لصاحب البحر حيث قال : وظاهر كلامهم أن الكراهة تحريمية لتعليلهم بالإعانة على المعصية ط ( قوله : من أهل الفتنة ) شمل البغاة وقطاع الطريق واللصوص بحر ( قوله : إن علم ) أي إن علم البائع أن المشتري منهم ( قوله : لأنه إعانة على المعصية ) ; لأنه يقاتل بعينه ، بخلاف ما لا يقتل به إلا بصنعة تحدث فيه كالحديد ، ونظيره كراهة بيع المعازف ; لأن المعصية تقام بها عينها ، ولا يكره بيع الخشب المتخذة هي منه ، وعلى هذا بيع الخمر لا يصح ويصح بيع العنب . والفرق في ذلك كله ما ذكرنا فتح ومثله في البحر عن البدائع ، وكذا في الزيلعي لكنه قال بعده وكذا لا يكره بيع الجارية المغنية والكبش النطوح والديك المقاتل والحمامة الطيارة ; لأنه ليس عينها منكرا وإنما المنكر في استعمالها المحظور . ا هـ .

قلت : لكن هذه الأشياء تقام المعصية بعينها لكن ليست هي المقصود الأصلي منها ، فإن عين الجارية للخدمة مثلا والغناء عارض فلم تكن عين النكر ، بخلاف السلاح فإن المقصود الأصلي منه هو المحاربة به فكان عينه منكرا إذا بيع لأهل الفتنة ، فصار المراد بما تقام المعصية به ما كان عينه منكرا بلا عمل صنعة فيه ، فخرج نحو الجارية المغنية ; لأنها ليست عين المنكر ، ونحو الحديد والعصير ; لأنه وإن كان يعمل منه عين المنكر لكنه بصنعة تحدث فلم يكن عينه ، وبهذا ظهر أن بيع الأمرد ممن يلوط به مثل الجارية المغنية فليس مما تقوم المعصية بعينه ، خلافا لما ذكره المصنف والشارح في باب الحظر والإباحة ، ويأتي تمامه قريبا ( قوله : يكره لأهل الحرب ) مقتضى ما نقلناه عن الفتح عدم الكراهة ، إلا أن يقال : المنفي كراهة التحريم والمثبت كراهة التنزيه ; لأن الحديد وإن لم تقم المعصية بعينه لكن إذا كان بيعه ممن يعمله سلاحا كان فيه نوع إعانة تأمل ( قوله : نهر ) عبارته : وعرف بهذا أنه لا يكره بيع ما لم تقم المعصية به كبيع الجارية المغنية والكبش النطوح والحمامة الطيارة والعصير والخشب الذي يتخذ منه العازف ، وما في بيوع الخانية من أنه يكره بيع الأمرد من فاسق يعلم أنه يعصي به مشكل .

والذي جزم به في الحظر والإباحة أنه لا يكره بيع جارية ممن يأتيها في دبرها أو بيع الغلام من لوطي وهو الموفق لما مر . وعندي أن ما في الخانية محمول على كراهة التنزيه والمنفي هو كراهة التحريم ، وعلى هذا فيكره في الكل تنزيها ، وهو الذي إليه تطمئن النفس ; لأنه تسبب في الإعانة ، ولم أر من تعرض لهذا ، والله تعالى الموفق ا هـ ( قوله : ينفذ ) بالتشديد مبنيا للمجهول ( قوله : لو عادلا ) أي لو كان حكم قاضيهم عادلا : أي على مذهب أهل العدل . قال في الفتح : وإذا ولى البغاة قاضيا على مكان غلبوا عليه فقضى ما شاء ثم ظهر أهل العدل فرفعت أقضيته إلى قاضي العدل نفذ منها ما هو عدل وكذا ما قضى برأي بعض المجتهدين ; لأن قضاء القاضي في المجتهدات نافذ وإن كان مخالفا لرأي قاضي العدل . ا هـ . ( قوله : ولو كتب قاضيهم إلخ ) محله إذا كان من أهل العدل وإلا لا يقبل كتابه لفسقه كما في الفتح . وأفاد صحة تولية البغاة للقضاء كما سيأتي في بابه ، والله سبحانه أعلم .




الخدمات العلمية