الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 33 ] فصل

                                                                                                                                                                        إذا اجتمعت شرائط وجوب الحج ، وجب على التراخي . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، والمزني : على الفور . ثم عندنا يجوز لمن وجب عليه الحج بنفسه أو بغيره أن يؤخره بعد سنة الإمكان . فلو خشي العضب ، وقد وجب عليه الحج بنفسه ، لم يجز التأخير على الأصح . وإذا تأخر بعد الوجوب فمات قبل حج الناس تبين عدم الوجوب لتبين عدم الإمكان ، وإن مات بعد حج الناس استقر الوجوب ولزم الإحجاج من تركته .

                                                                                                                                                                        قال في " التهذيب " : ورجوع القافلة ليس بشرط ، حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ، ومضي إمكان السير إلى منى والرمي بها ، وإلى مكة والطواف بها ، استقر الفرض عليه ، وإن مات ، أو جن قبل ذلك ، لم يستقر عليه . وإن هلك ماله بعد رجوع الناس ، أو مضي إمكان الرجوع ، استقر الحج ، وإن هلك بعد حجهم ، وقبل الرجوع وإمكانه ، فوجهان . أصحهما : لا يستقر . هذا حيث نشرط أن يملك نفقة الرجوع .

                                                                                                                                                                        فإن لم نشرطها ، استقر قطعا . ولو أحصر الذين أمكنه الخروج معهم ، فتحللوا ، لم يستقر الحج عليه . فلو سلكوا طريقا آخر فحجوا ، استقر ، وكذا لو حجوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقي ماله .

                                                                                                                                                                        وإذا دامت الاستطاعة وتحقق الإمكان فلم يحج حتى مات ، فهل يموت عاصيا ؟ فيه أوجه . أصحهما : نعم . والثاني : لا ، والثالث : يعصي الشيخ دون الشاب ، والخلاف جار فيما لو كان صحيح البدن فلم يحج حتى صار زمنا . والأصح : العصيان أيضا .

                                                                                                                                                                        فإذا زمن وقلنا بالعصيان ، فهل تجب عليه الاستنابة على الفور لخروجه بالتقصير عن استحقاق البر فيه ، أم له تأخير الاستنابة كما لو بلغ معضوبا ؟ فإن استنابته على التراخي فيه وجهان . أصحهما : الأول . وعلى هذا لو امتنع وأخر ، فهل يجيزه القاضي على الاستنابة ، أو يستأجر [ ص: 34 ] عليه ؟ وجهان . أحدهما : نعم كزكاة الممتنع . وأصحهما : لا . وإذا قلنا : يموت عاصيا ، فمن أي وقت يعصي ؟ فيه أوجه . أصحها : من السنة الآخرة من سني الإمكان لجواز التأخير إليها . والثاني : من السنة الأولى ، لاستقرار الفرض فيها .

                                                                                                                                                                        والثالث : يموت عاصيا ، ولا يسند العصيان إلى سنة بعينها . ومن فوائد موته عاصيا أنه لو شهد شهادة ولم يحكم بها حتى مات لم يحكم لبيان فسقه . ولو قضي بشهادته بين السنة الأولى والأخيرة من سني الإمكان ، فإن عصيناه من الأخيرة ، لم ينقض ذلك الحكم بحال . وإن عصيناه من الأول ، ففي نقضه القولان ، فيما إذا بان فسق الشهود .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية