الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب ) خلافا لأبي يوسف والشافعي رحمهما الله .

لهما الاعتبار بالمستأمن منهم في دارنا .

ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب } [ ص: 39 ] ولأن مالهم مباح في دارهم فبأي طريق أخذه المسلم أخذ مالا مباحا إذا لم يكن فيه غدر ، بخلاف المستأمن منهم لأن ماله صار محظورا بعقد الأمان .

التالي السابق


( قوله ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب خلافا لأبي يوسف والشافعي ) ومالك وأحمد ، وعلى هذا الخلاف الربا بين المسلم الأصلي والمسلم الذي أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا ; فلو باع مسلم دخل إليهم مستأمنا درهما بدرهمين حل ، وكذا إذا باع منهم ميتة أو خنزيرا أو قامرهم وأخذ المال يحل ، كل ذلك عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف ومن ذكرنا ، ( لهم ) إطلاق النصوص فإنها لم تقيد المنع بمكان دون مكان ، والقياس على المستأمن منهم في دارنا ، فإن الربا يجري بين المسلم وبينه فكذا الداخل منا إليهم بأمان . ولأبي حنيفة ومحمد ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال { لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب } وهذا الحديث غريب ، ونقل ما روى مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [ ص: 39 ] ذلك .

قال الشافعي : قال أبو يوسف : إنما قال أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا ربا بين أهل الحرب } أظنه قال وأهل الإسلام قال الشافعي : وهذا الحديث ليس بثابت ولا حجة فيه ، أسنده عنه البيهقي .

قال في المبسوط : هذا مرسل ، ومكحول ثقة ، والمرسل من مثله مقبول ، { ولأن أبا بكر قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى { الم غلبت الروم } الآية قالت له قريش : ترون أن الروم تغلب ؟ قال نعم ، فقال : هل لك أن تخاطرنا ، فخاطرهم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب إليهم فزد في الخطر ففعل ، وغلبت الروم فارسا فأخذ أبو بكر خطره ، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم } ، وهو القمار بعينه بين أبي بكر ومشركي مكة كانت مكة دار شرك ( ولأن مالهم مباح ) وإطلاق النصوص في مال محظور ، وإنما يحرم على المسلم إذا كان بطريق الغدر ( فإذا لم يأخذ غدرا فبأي طريق يأخذه حل ) بعد كونه برضا ( بخلاف المستأمن منهم ) عندنا ( لأن ماله صار محظورا بالأمان ) فإذا أخذه بغير الطريق المشروعة يكون غدرا ، وبخلاف الزنا إن قيس عليه الربا لأن البضع لا يستباح بالإباحة بل بالطريق الخاص ، أما المال فيباح بطيب النفس به وإباحته ، وهذا لا يفيد لمعارضة إطلاق النصوص إلا بعد ثبوت حجية حديث مكحول .

وقد يقال : لو سلم حجيته فالزيادة بخبر الواحد لا تجوز ، وإثبات قيد زائد على المطلق من نحو { لا تأكلوا الربا } ونحوه هو الزيادة فلا يجوز .

ويدفع بالقطع بأن المطلقات مراد بمحلها المال المحظور بحق لمالكه ، ومال الحربي ليس محظورا إلا لتوقي الغدر ، وهذا التقرير في التحقيق يقتضي أنه لو لم يرد خبر مكحول أجازه النظر المذكور ، أعني كون ماله مباحا إلا لعارض لزوم الغدر ، إلا أنه لا يخفى أنه إنما يقتضي حل مباشرة العقد إذا كانت الزيادة ينالها المسلم ، والربا أعم من ذلك إذ يشمل ما إذا كان الدرهمان من جهة المسلم ومن جهة الكافر ، وجواب المسألة بالحل عام في الوجهين ، وكذا القمار قد يفضي إلى أن يكون مال الخطر للكافر بأن يكون الغلب له ، فالظاهر أن الإباحة تفيد نيل المسلم الزيادة ، وقد التزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة وإن كان إطلاق الجواب خلافه ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .




الخدمات العلمية