الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ثم يرفع رأسه مكبرا ، ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ، ويجلس عليها ، وينصب اليمنى ، ثم يقول : رب اغفر لي ثلاثا ، ثم يسجد الثانية كالأولى ، ثم يرفع رأسه مكبرا ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه إلا أن يشق عليه ، فيعتمد بالأرض ، وعنه : يجلس جلسة الاستراحة على قدميه وأليتيه ، ثم ينهض ، ثم يصلي الثانية كالأولى إلا في الإحرام والاستفتاح ، وفي الاستعاذة روايتان ،

                                                                                                                          [ ص: 458 ]

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          [ ص: 458 ] ( ثم يرفع رأسه ) إذا قضى سجوده ( مكبرا ) ويكون ابتداؤه مع ابتدائه ، وانتهاؤه مع انتهائه ( ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ، ويجلس عليها ، وينصب اليمنى ) ويفتح أصابعه نحو القبلة ، لقول أبي حميد في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - : ثم ثنى رجله اليسرى ، وقعد عليها ، واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه وفي حديث عائشة : وكان يفرش رجله اليسرى ، وينصب اليمنى متفق عليه قال جماعة منهم الجد : ويبسط يديه على فخذيه مضمومة الأصابع ، زاد في " التلخيص " ويضم الإبهام ، ولم يذكره آخرون ( ثم يقول ) بين السجدتين ( رب اغفر لي ثلاثا ) ذكره السامري ، وصاحب " التلخيص " و " الفروع " وغيرهم لما روى حذيفة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين : رب اغفر لي رب اغفر لي رواه النسائي ، وابن ماجه ، وإسناده ثقات ، وقال ابن أبي موسى : مرتين ، وهو ظاهر الخرقي للخبر ، وفي " الرعاية " يقول : رب اغفر لي أو لنا ثلاثا ، وفي " الشرح " إن قال : رب اغفر لنا فلا بأس ، ولم يعين أحمد في رواية جماعة ثلاثا ، بل قال : يقول : رب اغفر لي ، قال حرب : ومذهبه إن قال شيئا ، وإن لم يقل جاز ، والأمر عنده واسع ، والأصح خلافه ، ولا يكره في الأصح ما ورد عن ابن عباس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، وارزقني ، وعافني رواه أبو داود ، وعنه : يستحب في نفل ، واختار المؤلف : وفرض .

                                                                                                                          ( ثم يسجد الثانية كالأولى ) من التكبير ، والتسبيح ، والهيئة ، لأنه عليه السلام كان يفعل ذلك ( ثم يرفع رأسه مكبرا ) لأنه عليه السلام كان يكبر في كل [ ص: 459 ] رفع ، وخفض ( ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه ) نص عليه لحديث وائل بن حجر ، وعن ابن عمر قال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة رواه أبو داود ، ولأنه أشق فكان أفضل كالتجافي ، قال القاضي : لا يختلف قوله إنه لا يعتمد على الأرض ، سواء قلنا يجلس للاستراحة أو لا ( إلا عليه فيعتمد بالأرض ) لما روى الأثرم عن علي قال : من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع ، وذكر في " الشرح " أنه إذا شق عليه اعتمد على الأرض لا نعلم فيه خلافا ، واقتضى كلامه أنه لا يجلس جلسة الاستراحة ، وهو المذهب المنصور عند أصحابنا ، لما روى أبو هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينهض على صدور قدميه رواه الترمذي بإسناد فيه ضعف ، وروي ذلك عن عمر ، وابنه ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، قال أحمد : أكثر الأحاديث على هذا ، قال الترمذي : وعليه العمل عند أهل العلم ، قال أبو الزناد : تلك السنة ، وفي " الغنية " يكره أن يقدم إحدى رجليه ، وأنه قيل : يقطع الصلاة ، وكذا في رسالة أحمد يكره ( وعنه : يجلس جلسة الاستراحة ) اختارها أبو بكر عبد العزيز ، وشيخه الخلال ، وذكر أن أحمد رجع عن الأولى ، لما روى مالك بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض رواه البخاري ، وقيل : له ذلك إن كان ضعيفا ، قال المؤلف : وفي هذا جمع بين الأخبار ، وإلا فمثل هذا لا يخفى على عمر ، وعلي ، ومن سمينا ، فيجلس ( على قدميه ، وأليتيه ) نص عليه في رواية المروزي ، وذكر ابن الجوزي أنه ظاهر المذهب ، لأنه لو جلس مفترشا لم يأمن السهو ، وليفارق الجلسة بين السجدتين [ ص: 460 ] وعليه يحمل قول ابن عباس في الإقعاء على القدمين : هو سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - للاتفاق على أنه لا يستحب في هذه الصورة ، وذكر الآمدي أن أصحابنا لا يختلفون في ذلك ، وقيل : يجلس مفترشا كالجلوس بين السجدتين ، قدمه في " الشرح " و " الفروع " وذكره القاضي ، والمؤلف في " المغني " احتمالا ، واحتج بحديث أبي حميد ، وقال : هو صحيح صريح لا ينبغي العدول عنه ، وقال الخلال : روي عن أحمد ما لا أحصيه كثرة أنه يجلس على أليتيه ، وهل هي فصل بين الركعتين أو من الثانية ، فيه وجهان ( ثم ينهض ) بغير تكبير ، لأنه انتهى تكبيره عند انتهاء جلوسه ، وقال أبو الخطاب : ينهض مكبرا ، ورده في " المغني " بأنه يفضي إلى أن يوالي بين تكبيرتين في ركن واحد لم يرد الشرع بجمعهما فيه .

                                                                                                                          بشرى : روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قام العبد يصلي ، أتي بذنوبه فوضعت على رأسه أو عاتقه ، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه رواه ابن حبان في صحيحه .

                                                                                                                          ( ثم يصلي الثانية كالأولى ) لقوله عليه السلام للمسيء في صلاته لما وصف له الركعة الأولى : ثم افعل بعد ذلك في صلاتك كلها وفهم منه مساواة قراءة الثانية للأولى ، وسيأتي ( إلا في الإحرام ) لأنها للدخول في الصلاة ، وهو منتف ( والاستفتاح ) بغير خلاف نعلمه لما روى أبو هريرة ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ولم يسكت رواه مسلم ، واستثنى أبو الخطاب ، و " المغني " و " الوجيز " و " الفروع " تجديد النية لاستصحابها حكما ، ولأنها تراد للعقد ، وقد انعقدت ، قال المجد : وترك استثنائها أولى ، لأنها شرط لا ركن ، ويجوز أن يتقدم الصلاة [ ص: 461 ] اكتفاء بالدوام الحكمي ( وفي الاستعاذة روايتان ) كذا في " المغني " إحداهما : لا يتعوذ من تعوذ في الأولى ، قدمه في " المحرر " و " الفروع " وهو قول عطاء ، والحسن ، والثوري لظاهر خبر أبي هريرة المتقدم ، ولأن الصلاة جملة واحدة ، فإذا أتى بالاستعاذة في أولها كفى ، فلو تركها في الأولى أتى بها في الثانية ، قال ابن الجوزي : رواية واحدة بخلاف الاستفتاح ، نص عليه ، لأنه يراد لافتتاح الصلاة ، وهي للقراءة ، وقيل : يفتتح إن وجب ، والثانية : يستعيذ في كل ركعة ، لظاهر قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل 98 ] ولحصول الفصل ، كالصلاتين ، فعلى هذه يستعيذ المسبوق ، وعلى الأولى كالاستفتاح ، فإذا قام للقضاء استفتح ، واستعاذ ، نص عليه ، لأن ما يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته .




                                                                                                                          الخدمات العلمية