الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ( 16 ) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ( 17 ) )

يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ( قل ) يا محمد ، لهؤلاء الذين يستأذنوك في الانصراف عنك ويقولون : إن بيوتنا عورة ( لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ) يقول : لأن ذلك ، أو ما كتب الله منهما واصل إليكم بكل حال ، كرهتم أو أحببتم ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) يقول : وإذا فررتم من الموت أو القتل لم يزد فراركم ذلك في أعماركم وآجالكم ، بل إنما تمتعون في هذه الدنيا إلى الوقت الذي كتب لكم ، ثم يأتيكم ما كتب لكم وعليكم . [ ص: 229 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) وإنما الدنيا كلها قليل .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) قال : إلى آجالهم .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) قال : ما بينهم وبين الأجل .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن الأعمش ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم مثله إلا أنه قال : ما بينهم وبين آجالهم .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي رزين ، أنه قال في هذه الآية : ( فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ) قال : ليضحكوا في الدنيا قليلا وليبكوا في النار كثيرا . وقال في هذه الآية : ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) قال : إلى آجالهم . أحد هذين الحديثين رفعه إلى الربيع بن خثيم .

حدثنا ابن وكيع قال : ثني أبي ، عن الأعمش ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) قال : الأجل . ورفع قوله : ( تمتعون ) ولم ينصب ب " إذا " للواو التي معها ؛ وذلك أنه إذا كان قبلها واو ، كان معنى " إذا " التأخير بعد الفعل ، كأنه قيل : ولو فروا لا يمتعون إلا قليلا إذا ، وقد ينصب بها أحيانا ، وإن كان معها واو ؛ لأن الفعل متروك ، فكأنها لأول الكلام .

قوله : ( قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ) . يقول - تعالى ذكره - : قل يا محمد ، لهؤلاء الذين يستأذنونك ويقولون : ( إن بيوتنا عورة ) هربا من القتل : من ذا الذي يمنعكم من الله إن هو أراد بكم سوءا في أنفسكم ، من قتل أو بلاء أو غير ذلك ، أو عافية وسلامة ؟ وهل ما يكون بكم في أنفسكم من سوء أو رحمة إلا من قبله ؟ .

كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثني يزيد بن رومان ( قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ) أي أنه ليس الأمر [ ص: 230 ] إلا ما قضيت .

وقوله : ( ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ) يقول - تعالى ذكره - : ولا يجد هؤلاء المنافقون إن أراد الله بهم سوءا في أنفسهم وأموالهم ( من دون الله وليا ) يليهم بالكفاية ( ولا نصيرا ) ينصرهم من الله فيدفع عنهم ما أراد الله بهم من سوء ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية