الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4397 [ 2298 ] وعن عائشة وسئلت: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلف؟ قالت: أبو بكر، فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر، ثم قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح.

                                                                                              رواه مسلم (2385).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و ( قول السائل لعائشة - رضي الله عنها -: " من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلف ؟ ") يدل على: أن من المعلوم عندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا، وكذلك قال عمر رضي الله عنه لما طعن، وقيل: له: ألا تستخلف؟ فقال: إن أتركهم؛ فقد تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أستخلف فقد استخلف أبو بكر رضي الله عنه، وهذا بمحضر من الصحابة، وعلي والعباس رضي الله عنهم ولم ينكر أحد منهم على عمر ، ولا ذكر أحد من الناس نصا باستخلاف على أحد، فكان ذلك دليلا على كذب من ادعى شيئا من ذلك، إذ العادات تحيل أن يكون عندهم نص على أحد في ذلك الأمر العظيم المهم، فيكتموه، مع تصلبهم في الدين، وعدم تقيتهم، فإنهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم، وكذلك اتفق لهم عند موت النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم اجتمعوا لذلك، وتفاوضوا فيه مفاوضة من لا يتقي شيئا، ولا يخاف أحدا، حتى قالت الأنصار : منا أمير، ومنكم أمير، ولم يذكر أحد منهم نصا، ولا ادعى أحد منهم أنه نص عليه، ولو كان عندهم من ذلك شيء لكانوا هم أحق بمعرفته، ونقله، ولما اختلفوا في شيء من ذلك. ومن العجب ألا يكون عند أحد من هؤلاء نص على ذلك، ولا يذكره مع قرب العهد، وتوفر الدين والجد، ودعاء الحاجة الشديدة إلى ذلك، ويأتي بعدهم بأزمان متطاولة، وأوقات [ ص: 248 ] مختلفة، وقلة علم، وعدم فهم من يدعي: أن عنده من العلم بالنص على واحد معين ما لم يكن عند أولئك الملأ الكرام، ولا سمع منهم. هذا محض الكذب الذي لا يقبله سليم العقل، لكن غلبة التعصب والأهواء تورط صاحبها في الظلماء، وقد ذهبت الشيعة على اختلاف فرقها إلى: أنه نص على خلافة علي رضي الله عنه وذهبت الراوندية إلى أنه نص على خلافة العباس رضي الله عنه واختلق كل واحد منهما من الكذب، والزور، والبهتان ما لا يرضى به من في قلبه حبة خردل من الإيمان، وما ذكرناه من عدم النص على واحد بعينه هو مذهب جمهور أهل السنة من السلف والخلف، لا على أبي بكر ، ولا غيره، غير أنهم استندوا في استحقاق أبي بكر رضي الله عنه للخلافة إلى أصول كلية، وقرائن خالية، ومجموع ظواهر جلية حصلت لهم العلم بأنه أحق بالخلافة، وأولى بالإمامة، يعلم ذلك من استقرأ أخباره، وخصائصه، وسيقع التنبيه على بعضها إن شاء الله تعالى.

                                                                                              و ( قول عائشة - رضي الله عنها - في جواب السائل: " أبو بكر ، ثم عمر ، ثم أبو عبيدة ") هذا قالته عن نظرها، وظنها، لا أن ذلك كان بنص عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلها استندت في عمر وأبي عبيدة لقول أبي بكر يوم السقيفة: رضيت [ ص: 249 ] لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبي عبيدة . وفي حق أبي عبيدة شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمين هذه الأمة، ولذلك قال عمر رضي الله عنه حين جعل الأمر شورى: لو أن أبا عبيدة حي لما تخالجني فيه شك، فلو سألني ربي عنه قلت: سمعت نبيك يقول: " لكل أمة أمين، وأميننا - أيتها الأمة - أبو عبيدة بن الجراح "، ويفهم من قول عمر وعائشة : جواز انعقاد الخلافة للفاضل مع وجود الأفضل ، فإن عثمان وعليا - رضي الله عنهما - أفضل من أبي عبيدة رضي الله عنه بالاتفاق، ومع ذلك فقد حكما بصحة إمامته عليهما - أن لو كان حيا -.

                                                                                              وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، ومذهب الجمهور: أنها تنعقد له - أعني للمفضول - وخالف في ذلك: عباد بن سلمان ، والجاحظ ، فقالا: لا ينعقد للمفضول على الفاضل، ولا يعتد بخلافهما لما ذكرنا في الأصول، والصحيح: ما ذهب إليه الجمهور.




                                                                                              الخدمات العلمية