الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ الحكمة من إبقاء أهل الكتاب بين أظهرنا ]

                          قالوا : ولله تعالى حكم في إبقاء أهل الكتابين بين أظهرنا فإنهم مع كفرهم شاهدون بأصل النبوات والتوحيد واليوم الآخر والجنة والنار ، وفي كتبهم من البشارات بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر نعوته وصفاته وصفات أمته ما هو من آيات نبوته وبراهين رسالته ، وما يشهد بصدق الأول والآخر .

                          وهذه الحكمة تختص بأهل الكتاب دون عبدة الأوثان فبقاؤهم من [ ص: 97 ] أقوى الحجج على منكر النبوات والمعاد والتوحيد ، وقد قال تعالى لمنكري ذلك : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، ذكر هذا عقب قوله : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، يعني : سلوا أهل الكتاب هل أرسلنا قبل محمد رجالا يوحى إليهم أم كان محمد بدعا من الرسل لم يتقدمه رسول حتى يكون إرساله أمرا منكرا لم يطرق العالم رسول قبله ؟

                          وقال تعالى : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ، والمراد بسؤالهم سؤال أممهم عما جاءوهم به هل فيه أن الله شرع لهم أن يعبد من دونه إله غيره ؟

                          قال الفراء : المراد سؤال أهل التوراة والإنجيل فيخبرونه عن كتبهم وأنبيائهم .

                          [ ص: 98 ] وقال ابن قتيبة : التقدير واسأل من أرسلنا إليهم رسلا من قبلك وهم أهل الكتاب .

                          وقال ابن الأنباري : التقدير وسل من أرسلنا من قبلك .

                          وعلى كل تقدير ، فالمراد التقرير لمشركي قريش وغيرهم ممن أنكر النبوات والتوحيد ، وأن الله أرسل رسولا أو أنزل كتابا أو حرم عبادة الأوثان .

                          فشهادة أهل الكتاب بهذا حجة عليهم وهي من أعلام صحة رسالته - صلى الله عليه وسلم - إذ كان قد جاء على ما جاء به إخوانه الذين تقدموه من رسل الله سبحانه ، ولم يكن بدعا من الرسل ولا جاء بضد ما جاءوا به ، بل أخبر بمثل ما أخبروا به من غير شاهد ولا اقتران في الزمان وهذه من أعظم آيات صدقه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية