الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          النوع ( الثالث ) من الماء ( نجس ) بتثليث الجيم وسكونها ، وهو ضد الطاهر . ولا يجوز استعماله إلا لضرورة ، كلقمة غص بها ولا طاهر ، أو عطش مع صوم ، أو طفي حريق متلف ويجوز بل التراب به وجعله طينا يطين به ما لا يصلى عليه ، لا نحو مسجد ( وهو ) قسمان :

                                                                          الأول : ( ما تغير ) بمخالطة ( نجاسة ) قليلا كان أو كثيرا . وحكى ابن المنذر الإجماع على نجاسة المتغير بالنجاسة و ( لا ) ينجس ما تغير بنجاسة ( بمحل تطهير ) ما دام متصلا لبقاء عمله عليه .

                                                                          الثاني : ذكره بقوله : ( وكذا قليل لاقاها ) أي النجاسة بلا تغير ( ولو ) كان القليل ( جاريا ، أو ) كانت النجاسة التي لاقته ( لم يدركها طرف ) أي بصر الناظر إليها لقلتها ( أو ) لم ( يمض زمن تسري فيه ) النجاسة لمفهوم حديث ابن عمر { سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون في الفلاة ، وما ينوبه من الدواب والسباع ؟ فقال : إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء } .

                                                                          وفي رواية { لم يحمل الخبث } رواه الخمسة والحاكم وقال : على شرط الشيخين ولفظه لأحمد ، وسئل ابن معين عنه فقال : إسناده جيد وصححه الطحاوي قال الخطابي : ويكفي شاهدا على صحته : أن نجوم أهل الحديث صححوه .

                                                                          ولأنه صلى الله عليه وسلم { أمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب } ولم يعتبر التغير وأما حديث أبي سعيد قال قيل " يا رسول الله ، { أنتوضأ من بئر بضاعة ، وهي بئر تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن ؟ قال : إن الماء طهور لا ينجسه شيء } رواه أحمد وصححه الترمذي وحسنه أبو داود فالظاهر أن ماءها كان يزيد على القلتين وحديث أبي أمامة مرفوعا { الماء لا ينجسه شيء إلا ما [ ص: 21 ] غلب على ريحه وطعمه ولونه } رواه ابن ماجه والدارقطني مطلق وحديث القلتين مقيد فيحمل عليه .

                                                                          وباء بضاعة : تضم وتكسر ( كمائع ) من نحو زيت وخل ولبن ( و ) ماء ( طاهر ) غير مطهر ، كمستعمل ، فينجسان بمجرد الملاقاة ( ولو كثرا ) لحديث { الفارة تموت في السمن ، فإن كان جامدا فألقوها وما حولها ، وإن كان مائعا فلا تقربوه } ولأنهما لا يدفعان النجاسة عن غيرهما ، فكذا عن نفسهما .

                                                                          وما ذكر من نجاسة الطاهر بمجرد الملاقاة ولو كثر جزم به في التنقيح وصحح في الإنصاف أنه إذا كان كثيرا لا ينجس إلا بالتغير ، كالطهور وقدمه في المغني وغيره ، وتبعه في الإقناع ( و ) الطهور ( الوارد بمحل تطهير ) من بدن أو ثوب أو بقعة ، أو نحوها : نجسة ( طهور ) ولو تغير لبقاء عمله ( كما لم يتغير منه ) أي الوارد بمحل التطهير ( إن كثر ) بأن كان قلتين فأكثر ، وعلم منه أن محل التطهير إن ورد على القليل نجسه بمجرد الملاقاة وأن الراكد والجاري سواء فيما تقدم ( وعنه ) أي الإمام أحمد رضي الله عنه ( كل جرية من ) ماء ( جار ) تعتبر مفردة ( ك ) ماء ( منفرد ) إن كانت دون القلتين ، فنجسة بمجرد الملاقاة .

                                                                          قال في الكافي : وجعل أصحابنا المتأخرون كل جرية كالماء المنفرد قال في الحاوي الكبير : هذا ظاهر المذهب قال الأصحاب : فيفضي إلى تنجيس نهر كبير بنجاسة قليلة لا كثيرة ، لقلة ما تحاذي القليلة ; إذ لو فرضنا كلبا في جانب نهر وشعرة منه في جانبه الآخر لكان ما يحاذيها لا يبلغ قلتين ، لقلته والمحاذي للكلب يبلغ قلالا كثيرة .

                                                                          ( ف ) على هذه الرواية ( متى امتدت نجاسة ب ) ماء ( جار ) وكانت كل جرية دون القلتين ( فكل جرية نجاسة مفردة ) وذكر المصنف هذه الرواية لقوتها وتشهيرها ، وذكر ما بنى عليها لينبه على أنه مبني عليها لا على المذهب ، كما يوهمه كلامه في الإنصاف ، والمذهب : أن الجاري كالراكد ، ويعتبر مجموعه ، فإن بلغ قلتين لم ينجس إلا بالتغيير ، وإن كانت الجرية دونهما ( والجرية ما أحاط بالنجاسة ) من الماء يمنة ويسرة وعلوا وسفلا إلى قرار النهر .

                                                                          قال الموفق : وما انتشرت إليه عادة أمامها ووراءها ( سوى ما وراءها ) أي النجاسة من الماء ، لأنه لم يصل إليها .

                                                                          ( و ) سوى ما ( أمامها ) لأنها لم تصل إليه ( وإن لم يتغير ) الطهور ( الكثير لم ينجس ) بملاقاة النجاسة لحديث القلتين ( إلا ببول آدمي ) ولو صغيرا ( أو عذرة ) منه ( رطبة ) مائعة [ ص: 22 ] أو لا ( أو يابسة ذابت ) فيه فينجس بهما ، دون سائر النجاسات ( عند أكثر المتقدمين ) من الأصحاب ( والمتوسطين ) .

                                                                          قال الزركشي : كالقاضي والشريف وابن البناء وابن عبدوس وغيرهم ، .

                                                                          وروي عن علي وهو قول الحسن ، لحديث أبي هريرة مرفوعا { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه } متفق عليه .

                                                                          وهو يتناول القليل والكثير ، وخاص بالبول ، فحمل عليه الغائط ، لأنه أسوأ منه ، وقيد به حديث القلتين ( إلا أن تعظم مشقة نزحه ) أي ما حصل فيه البول أو العذرة على ما ذكر ( كمصانع مكة ) وطرقها التي جعلت موردا للحجاج يصدرون عنها ولا تنفذ ، فلا تنجس إلا بالتغير قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافا ولا فرق بين قليل البول والعذرة وكثيرهما نص عليه في رواية مهنا ومقابل قول أكثر المتقدمين والمتوسطين : أن حكم البول والعذرة حكم سائر النجاسات ، فلا ينجس الكثير بهما إلا بالتغير . قال في التنقيح : اختاره أكثر المتأخرين وهو أظهر ا هـ .

                                                                          قال في شرحه : لأن نجاسة بول الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب ، وهو لا ينجس القلتين وحديث النهي عن البول في الماء الدائم لا بد من تخصيصه ، بدليل ما لا يمكن نزحه إجماعا ويكون تخصيصه بخبر القلتين أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم ولو تعارضا يرجح حديث القلتين ، لموافقته القياس ( ف ) على الأول ( ما تنجس ) من الماء ( بما ذكر ) من بول الآدمي وعذرته ( ولم يتغير ) بهما ( فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه ) إضافة ( بحسب الإمكان ) عرفا بالصب وإن لم يتصل ، أو إجراء ساقية إليه ونحوه ، لأن هذا المضاف يدفع تلك النجاسة عن نفسه ولا ينجس إلا بالتغير لو وردت عليه ، فأولى إذا كان واردا عليها ، ومن ضرورة الحكم بطهوريته : طهورية ما اختلط به

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية