الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 73 ] ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا جملة معترضة ناشئة عن جملة هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب . فالواو اعتراضية ، أي أخرجهم الله من قريتهم عقابا لهم على كفرهم وتكذيبهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ولو لم يعاقبهم الله بالجلاء لعاقبهم بالقتل والأسر لأنهم استحقوا العقاب . فلو لم يقذف في قلوبهم الرعب حتى استسلموا لعاقبهم بجوع الحصار وفتح ديارهم عنوة فعذبوا قتلا وأسرا .

والمراد بالتعذيب : الألم المحسوس بالأبدان بالقتل والجرح والأسر والإهانة وإلا فإن الإخراج من الديار نكبة ومصيبة لكنها لا تدرك بالحس وإنما تدرك بالوجدان .

و ( لولا ) حرف امتناع لوجود ، تفيد امتناع جوابها لأجل وجود شرطها ، أي وجود تقدير الله جلاءهم سبب لانتفاء تعذيب الله إياهم في الدنيا بعذاب آخر .

وإنما قدر الله لهم الجلاء دون التعذيب في الدنيا لمصلحة اقتضتها حكمته ، وهي أن يأخذ المسلمون أرضهم وديارهم وحوائطهم دون إتلاف من نفوس المسلمين مما لا يخلو منه القتال لأن الله أراد استبقاء قوة المسلمين لما يستقبل من الفتوح ، فليس تقدير الجلاء لهم لقصد اللطف بهم وكرامتهم وإن كانوا قد آثروه على الحرب .

ومعنى ( كتب الله عليهم ) قدر لهم تقديرا كالكتابة في تحقيق مضمونه وكان مظهر هذا التقدير الإلهي ما تلاحق بهم من النكبات من جلاء النضير ثم فتح قريظة ثم فتح خيبر .

والجلاء : الخروج من الوطن بنية عدم العود ، قال زهير :

فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء

واعلم أن ( أن ) الواقعة بعد ( لولا ) هنا مصدرية لأن ( أن ) الساكنة النون إذا لم [ ص: 74 ] تقع بعد فعل علم يقين أو ظن ولا بعد ما فيه معنى القول ، فهي مصدرية وليست مخففة من الثقيلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية