الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا ( 38 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ما كان على النبي من حرج : من إثم فيما أحل الله له من نكاح امرأة من تبناه بعد فراقه إياها .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ) : أي أحل الله له .

وقوله : ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ) يقول : لم يكن الله تعالى ليؤثم نبيه فيما أحل له مثال فعله بمن قبله من الرسل الذين مضوا قبله في أنه لم يؤثمهم بما أحل لهم ، لم يكن لنبيه أن يخشى الناس فيما أمره به أو أحله له ، ونصب قوله ( سنة الله ) على معنى : حقا من الله ، كأنه قال : فعلنا ذلك سنة منا .

وقوله : ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) يقول : وكان أمر الله قضاء مقضيا .

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) : إن الله كان علمه معه قبل أن يخلق الأشياء كلها ، فأتم في علمه أن يخلق خلقا ، ويأمرهم وينهاهم ، [ ص: 277 ] ويجعل ثوابا لأهل طاعته ، وعقابا لأهل معصيته ، فلما ائتمر ذلك الأمر قدره ، فلما قدره كتب وغاب عليه ؛ فسماه الغيب وأم الكتاب ، وخلق الخلق على ذلك الكتاب أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم ، وما يصيبهم من الأشياء من الرخاء والشدة من الكتاب الذي كتبه أنه يصيبهم ، وقرأ ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا ) نفد ذلك ( جاءتهم رسلنا يتوفونهم ) وأمر الله الذي ائتمر قدره حين قدره مقدرا ، فلا يكون إلا ما في ذلك ، وما في ذلك الكتاب ، وفي ذلك التقدير ، ائتمر أمرا ثم قدره ، ثم خلق عليه فقال : كان أمر الله الذي مضى وفرغ منه ، وخلق عليه الخلق ( قدرا مقدورا ) شاء أمرا ليمضي به أمره وقدره ، وشاء أمرا يرضاه من عباده في طاعته ، فلما أن كان الذي شاء من طاعته لعباده رضيه لهم ، ولما أن كان الذي شاء أراد أن ينفذ فيه أمره وتدبيره وقدره ، وقرأ ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) فشاء أن يكون هؤلاء من أهل النار ، وشاء أن تكون أعمالهم أعمال أهل النار ، فقال ( كذلك زينا لكل أمة عملهم ) وقال ( وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ) هذه أعمال أهل النار ( ولو شاء الله ما فعلوه ) قال ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين ) إلى قوله ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) وقرأ ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) إلى ( كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ) أن يؤمنوا بذلك ، قال : فأخرجوه من اسمه الذي تسمى به ، قال : هو الفعال لما يريد ، فزعموا أنه ما أراد .

التالي السابق


الخدمات العلمية