الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( محضنة ) أي برج ( حمام اختلط بها أهلي لغيره لا ينبغي له أن يأخذه ، وإن أخذه طلب صاحبه ليرده عليه ) لأنه كاللقطة ( فإن فرخ عنده ، فإن ) كانت ( الأم غريبة لا يتعرض لفرخها ) لأنه ملك الغير ( وإن الأم لصاحب المحضنة والغريب ذكر فالفرخ له ) وإن لم يعلم أن ببرجه غريبا لا شيء عليه إن شاء الله .

قلت : وإذا لم يملك الفرخ ، فإن فقيرا أكله ، وإن غنيا تصدق به ثم اشتراه ، وهكذا كان يفعل الإمام الحلواني ظهيرية . وفي الوهبانية : مر بثمار تحت أشجار في غير أمصار لا بأس بالتناول ما لم يعلم النهي صريحا أو دلالة ، وعليه الاعتماد . [ ص: 285 ] وفيها :

أخذك تفاحا من النهر جاريا بجوز وكمثرى وفي الجوز ينكر



التالي السابق


( قوله : محضنة ) بالحاء المهملة والضاد المعجمة في المصباح : حضن الطائر بيضه إذا جثم عليه ( قوله : أي برج ) في المصباح : برج الحمام مأواه ( قوله : اختلط بها أهلي لغيره ) المراد بالأهلي ما كان مملوكا ( قوله : لا ينبغي له أن يأخذه ) ; لأنه ربما يطير فيذهب إلى محله الأصلي ، فلا ينافي ما مر أن اللقطة يندب أخذها أفاده ط ( قوله : لأنه ملك الغير ) ; لأن ولد الحيوان يتبع أمه ( قوله وإذا لم يملك الفرخ ) أي ولم يعلم مالكه ( قوله : وفي الوهبانية إلخ ) نقل بالمعنى ، وترك مما في الوهبانية قيد كون الثمار مما لا يبقى ، وكون ذلك في بستان احتراز عن القرى والسواد . وحاصل ما في شرحها عن الخانية وغيرها أن الثمار إذا كانت ساقطة تحت الأشجار ، فلو في المصر لا يأخذ شيئا منها ما لم يعلم أن صاحبها أباح ذلك نصا أو دلالة ; لأنه في المصر لا يكون مباحا عادة ، وإن كان في البستان ، فلو الثمار مما يبقى ولا يفسد كالجوز واللوز لا يأخذه ما لم يعلم الإذن ، ولو مما لا يبقى ، فقيل كذلك والمعتمد أنه لا بأس به إذا لم يعلم النهي صريحا أو دلالة أو عادة ، وإن كان في السواد والقرى ، فلو الثمار مما يبقى لا يأخذ ما لم يعلم الإذن [ ص: 285 ] ولو مما لا يبقى اتفقوا على أن له الأخذ ما لم يعلم النهي ، ولو كان الثمر على الشجر فالأفضل أن لا يؤخذ ما لم يؤذن له ، إلا في موضع كثير الثمار يعلم أنهم لا يشحون بمثل ذلك فله الأكل دون الحمل ( قوله : وفي الجوز ينكر ) ; لأنه مما يبقى ولا يرمى عادة ، بخلاف التفاح والكمثرى ; لأنه لو ترك يفسد ، وبخلاف النوى ; لأنه مما يرمى كما مر بيانه في مسألة الحطب .



مطلب ألقى شيئا وقال من أخذه فهو له [ فروع ] ألقى شيئا وقال من أخذه فهو له فلمن سمعه أو بلغه ذلك القول أن يأخذه وإلا لم يملكه ; لأنه أخذه إعانة لمالكه ليرده عليه ، بخلاف الأول ; لأنه أخذه على وجه الهبة وقد تمت بالقبض . ولا يقال : إنه إيجاب لمجهول فلا يصح هبة ; لأنا نقول : هذه جهالة لا تفضي إلى المنازعة والملك يثبت عند الأخذ . وعنده هو متعين معلوم ، أصله " { أنه عليه الصلاة والسلام قرب بدنات ثم قال من شاء اقتطع } .



مطلب له الأخذ من نثار السكر في العرس ويقرره أن مجرد الإلقاء من غير كلام يفيد هذا الحكم كمن ينثر السكر والدراهم في العرس وغيره ، فمن أخذ شيئا ملكه ; لأن الحال دليل على الإذن ، وعلى هذا لو وضع الماء والجمد على بابه يباح الشرب منه لمن مر به من غني أو فقير وكذا إذا غرس شجرة في موضع لا ملك فيه لأحد وأباح للناس ثمارها ، وكل ذلك مأخوذ من الحديث ا هـ ملخصا من شرح السير الكبير .



مطلب من وجد دراهم في الجدار أو استيقظ وفي يده صرة وفي التتارخانية عن الينابيع اشترى دارا فوجد في بعض الجدار دراهم . قال أبو بكر : إنها كاللقطة . قال الفقيه وإن ادعاه البائع رد عليه ، وإن قال ليست لي فهي لقطة . ا هـ . وفيها سأل رجل عطاء رحمه الله تعالى عمن بات في المسجد فاستيقظ وفي يده صرة دنانير ؟ قال : إن الذي صرها في يدك لا يريد إلا أن يجعلها لك . وفي البحر : وجد في البادية بعيرا مذبوحا قريب الماء لا بأس بالأكل منه إن وقع في قلبه أن مالكه أباحه .



مطلب أخذ صوف ميتة أو جلدها وعن الثاني : طرح ميتة فأخذ آخر صوفها له الانتفاع به وللمالك أخذه منه ، ولو سلخ الجلد ودبغه للمالك أن يأخذه ويرد عليه ما زاد الدبغ فيه . وفي الخانية : وضعت ملاءتها ووضعت الأخرى ملاءتها ثم أخذت الأولى ملاءة الثانية لا ينبغي للثانية الانتفاع بملاءة الأولى ، فإن أرادت ذلك قالوا ينبغي أن تتصدق بها على بنتها الفقيرة بنية كون الثواب لصاحبتها إن رضيت ثم تستوهب الملاءة من البنت ; لأنها بمنزلة اللقطة .



مطلب سرق مكعبه ووجد مثله أو دونه وكذلك الجواب في المكعب إذا سرق ا هـ وقيده بعضهم بأن يكون المكعب الثاني كالأول أو أجود ، فلو دونه له [ ص: 286 ] الانتفاع به بدون هذا التكلف ; لأن أخذ الأجود وترك الأدون دليل الرضا بالانتفاع به ، كذا في الظهيرية ، وفيه مخالفة للقطة من جهة جواز التصدق قبل التعريف وكأنه للضرورة ا هـ ملخصا .

قلت : ما ذكر من التفصيل بين الأدون وغيره إنما يظهر في المكعب المسروق ، وعليه لا يحتاج إلى تعريف ; لأن صاحب الأدون معرض عنه قصدا فهو بمنزلة الدابة المهزولة التي تركها صاحبها عمدا بل بمنزلة إلقاء النوى وقشور الرمان . أما لو أخذ مكعب غيره وترك مكعبه غلطا لظلمة أو نحوها ويعلم ذلك بالقرائن فهو في حكم اللقطة لا بد من السؤال عن صاحبه بلا فرق بين أجود وأدون ، وكذا لو اشتبه كونه غلطا أو عمدا لعدم دليل الإعراض ، هذا ما ظهر لي فتأمله .

[ فائدة ] ذكر ابن حجر في حاشية الإيضاح عن بعض الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم ما نصه : إذا ضاع منك شيء فقل : يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ، اجمع بيني وبين كذا ويسميه باسمه فإنه مجرب . قال النووي : وقد جربته فوجدته نافعا لوجود الضالة عن قرب غالبا . ونقل عن بعض مشايخه مثل ذلك . ا هـ . والله سبحانه أعلم .




الخدمات العلمية