الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 204 ] قوله عز وجل: قال فاهبط منها فيه ثلاثة أقاويل: أحدهما: أنه أهبط من السماء لأنه كان فيها ، قاله الحسن . والثاني: من الجنة. والثالث: أنه أهبط من المنزلة الرفيعة التي استحقها بطاعة الله إلى المنزلة الدنية التي استوجبها لمعصيته ، قاله ابن بحر . فما يكون لك أن تتكبر فيها وليس لأحد من المخلوقين أن يتكبر فيها ولا في غيرها ، وإنما المعنى: فما لمن يتكبر أن يكون فيها وإنما المتكبر في غيرها. وفي التكبر وجهان: أحدهما: تكبر عن الله أن يمتثل له. والثاني: تكبر عن آدم أن يسجد له. فاخرج فيها قولان: أحدهما: من المكان الذي كان فيه من السماء أو الجنة. والثاني: من جملة الملائكة الذين كان منهم أو معهم. إنك من الصاغرين فيه وجهان: أحدهما: بالمعصية في الدنيا لأن العاصي ذليل عند من عصاه. والثاني: بالعذاب في الآخرة لأن المعذب ذليل بالعذاب. وفي هذا القول من الله تعالى لإبليس وجهان: أحدهما: أنه قال ذلك على لسان بعض الملائكة. والثاني: أنه أراه معجزة تدله على ذلك. قوله عز وجل: قال أنظرني إلى يوم يبعثون فيه قولان: أحدهما: أنه سأله الإنظار بالعقوبة إلى البعث وهو يوم القيامة. والثاني: أنه سأله الإنظار بالحياة إلى يوم يبعثون وهو يوم القيامة لئلا يذوق [ ص: 205 ] الموت ، فأجيب بالإنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهي النفخة الأولى ليذوق الموت بين النفختين وهو أربعون سنة ، قاله الكلبي . فإن قيل: فكيف قدر الله مدة أجله وفي ذلك إغواؤه بفعل المعاصي تعويلا على التوبة في آخر الأجل؟ قيل: قد علم الله من حاله أنه لا يتوب من معصيته بما أوجبه من لعنته بقوله تعالى: وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين فجاز مع علمه بهذه أن يقدر له مدة أجله ولو كان كغيره ما قدرت له مدة أجله. فإن قيل: كيف أقدم إبليس على هذا السؤال مع معصيته؟ قيل: كما ينبسط الجاهل في سؤال ما لا يستحقه. فإن قيل: فكيف أجاب الله سؤاله مع معصيته؟ قيل: في إجابته دعاء أهل المعاصي قولان: أحدهما: لا تصح إجابتهم لأن إجابة الدعاء تكرمة للداعي، وأهل المعاصي لا يستحقون الكرامة ، فعلى هذا إنما أنظره الله تعالى وإن كان عقيب سؤاله ابتداء منه لا إجابة له. والثاني: أنه قد يجوز أن تجاب دعوة أهل المعاصي على وجه البلوى وتأكيد الحجة ، فتكون إجابة المطيعين تكرمة ، وإجابة العصاة بلوى. فإن قيل: فهل ينظر غير إبليس إلى الوقت الذي سأل وقد قال من المنظرين؟ قيل: نعم وهو من لم يقض الله تعالى عليه الموت من عباده الذين تقوم عليهم الساعة.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية