الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ( 60 ) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ( 61 ) )

يقول - تعالى ذكره - : لئن لم ينته أهل النفاق الذين يستسرون بالكفر ويظهرون الإيمان ( والذين في قلوبهم مرض ) يعني : ريبة من شهوة الزنا وحب الفجور .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو بن علي قال : ثنا أبو عبد الصمد قال : ثنا مالك بن دينار ، عن عكرمة في قوله ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) قال : [ ص: 327 ] هم الزناة .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الأعلى قال : ثنا ، سعيد ، عن قتادة ( والذين في قلوبهم مرض ) قال : شهوة الزنا .

قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : ثنا أبو صالح التمار قال : سمعت عكرمة في قوله ( في قلوبهم مرض ) قال : شهوة الزنا .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عمن حدثه ، عن أبي صالح ، ( والذين في قلوبهم مرض ) قال : الزناة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) الآية قال : هؤلاء صنف من المنافقين ( والذين في قلوبهم مرض ) أصحاب الزنا قال : أهل الزنا من أهل النفاق الذين يطلبون النساء فيبتغون الزنا . وقرأ : ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ) قال : والمنافقون أصناف عشرة في " براءة " قال : فالذين في قلوبهم مرض صنف منهم مرض من أمر النساء .

وقوله ( والمرجفون في المدينة ) يقول : وأهل الإرجاف في المدينة بالكذب والباطل .

وكان إرجافهم فيما ذكر كالذي حدثني بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة ) الآية ، الإرجاف : الكذب الذي كان نافقه أهل النفاق ، وكانوا يقولون : أتاكم عدد وعدة . وذكر لنا أن المنافقين أرادوا أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق ، فأوعدهم الله بهذه الآية قوله : ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) الآية ، فلما أوعدهم الله بهذه الآية كتموا ذلك وأسروه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله [ ص: 328 ] ( والمرجفون في المدينة ) هم أهل النفاق أيضا الذين يرجفون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالمؤمنين . وقوله ( لنغرينك بهم ) يقول : لنسلطنك عليهم ولنحرشنك بهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( لنغرينك بهم ) يقول : لنسلطنك عليهم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لنغرينك بهم ) : أي لنحملنك عليهم لنحرشنك بهم .

قوله ( ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ) يقول : ثم لننفينهم عن مدينتك فلا يسكنون معك فيها إلا قليلا من المدة والأجل ، حتى تنفيهم عنها فنخرجهم منها .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ) أي بالمدينة .

وقوله ( ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ) يقول - تعالى ذكره - : مطرودين منفيين ( أينما ثقفوا ) يقول : حيثما لقوا من الأرض أخذوا وقتلوا لكفرهم بالله تقتيلا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ملعونين ) على كل حال ( أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ) إذا هم أظهروا النفاق . ونصب قوله : ( ملعونين ) على الشتم ، وقد يجوز أن يكون القليل من صفة الملعونين ، فيكون [ ص: 329 ] قوله ( ملعونين ) مردودا على القليل ; فيكون معناه : ثم لا يجاورونك فيها إلا أقلاء ملعونين يقتلون حيث أصيبوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية