الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4434 [ 2321 ] وعنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه [الأنعام: 52].

                                                                                              رواه مسلم (2413) (46)، والنسائي في الكبرى (11163)، وابن ماجه (4128).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و ( قول المشركين للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا ") كان هؤلاء المشركون أشراف قومهم، وقيل: كان منهم: عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، أنفوا من مجالسة ضعفاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كصهيب ، وسلمان ، وعمار ، وبلال ، وسالم ، ومهجع ، وسعد هذا، وابن مسعود ، وغيرهم ممن كان على مثل حالهم استصغارا لهم، وكبرا عليهم، واستقذارا لهم، فإنهم قالوا: يؤذوننا بريحهم، وفي بعض كتب التفسير أنهم لما عرضوا ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أبى، فقالوا له: اجعل لنا يوما ولهم يوما، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك، فهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ودعا عليا ليكتب، فقام الفقراء وجلسوا ناحية، فأنزل الله تعالى الآية.

                                                                                              قلت: ولهذا أشار سعد بقوله: فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعا في إسلامهم، وإسلام قومهم، ورأى أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئا، ولا ينقص لهم قدرا، فمال إليه، فأنزل [ ص: 285 ] الله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه [الأنعام: 52] فنهاه عما هم به من الطرد، لا أنه أوقع الطرد، ووصف أولئك بأحسن أوصافهم، وأمره أن يصبر نفسه معهم بقوله: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي [الكهف: 28]، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بعد ذلك يقول: " مرحبا بقوم عاتبني الله فيهم "، وإذا جالسهم لم يقم عنهم حتى يكونوا هم الذين يبدؤون حوله بالقيام.

                                                                                              و (قوله : يدعون ربهم بالغداة والعشي ، قيل معناه: يدعون ربهم بالغداة بطلب التوفيق والتيسير، وبالعشي: قيل معناه: بطلب العفو عن التقصير، وقيل: معناه: يذكرون الله بعد صلاة الصبح، وصلاة العصر. وقيل: يصلون الصبح والعصر، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: يصلون الصلوات الخمس، وقال يحيى بن أبي كثير : هي مجالس الفقه بالغداة والعشي، وقيل: يعني به: دوام أعمالهم وعباداتهم، وإنما خص طرفي النهار بالذكر؛ لأن من عمل في وقت الشغل كان في وقت الفراغ من الشغل أعمل.

                                                                                              و ( قوله: يريدون وجهه ) أي: يخلصون في عباداتهم وأعمالهم لله تعالى. ويتوجهون إليه بذلك لا لغيره، ويصح أن يقال: يقصدون بأعمالهم رؤية وجهه الكريم، أي: وجوده المنزه المقدس عن صفات المخلوقين.

                                                                                              [ ص: 286 ] و ( قوله: ما عليك من حسابهم من شيء [الأنعام: 52]. ) أي: من جزائهم، ولا كفاية رزقهم، أي: جزاؤهم ورزقهم، وجزاؤك ورزقك على الله تعالى، لا على غيره، فكأنه يقول: وإذا كان الأمر كذلك: فأقبل عليهم وجالسهم، ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل. فإن فعلت كنت ظالما، وحاشاه من وقوع ذلك منه، وإنما هذا بيان للأحكام، ولئلا يقع مثل ذلك من غيره من أهل الإسلام. وهذا نحو قوله تعالى: لئن أشركت ليحبطن عملك [الزمر: 65] وقد علم الله منه: أنه لا يشرك، ولا يحبط عمله.

                                                                                              و ( قوله: فتكون من الظالمين [الأنعام: 52]. ) نصب بالفاء في جواب النفي، وقد تقدم: أن الظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه ، ويحصل من فوائد الآية والحديث: النهي عن أن يعظم أحد لجاهه، وأثوابه، وعن أن يحتقر أحد لخموله، ورثاثة أثوابه.




                                                                                              الخدمات العلمية