الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يستحق ما أوصى له إذا مات الموصي بل يوقف قسطه إلى موت أقرانه في بلده على المذهب ) لأنه الغالب ، [ ص: 297 ] واختار الزيلعي تفويضه للإمام . وطريق قبول البينة أن يجعل القاضي من في يده المال خصما عنه أو ينصب عليه فيما تقبل عليه البينة نهر .

قلت : وفي واقعات المفتين لقدري أفندي معزيا للقنية أنه إنما يحكم بموته بقضاء لأنه أمر محتمل ، فما لم ينضم إليه القضاء لا يكون حجة ( فإن ظهر قبله ) قبل موت أقرانه ( حيا فله ذلك ) القسط [ ص: 298 ] ( وبعده يحكم بموته في حق ماله يوم علم ذلك ) أي موت أقرانه ( فتعتد ) منه ( عرسه للموت ويقسم ماله بين من يرثه الآن و ) يحكم بموته ( في ) حق ( مال غيره من حين فقده فيرد الموقوف له إلى من يرث مورثه عند موته ) لما تقرر أن الاستصحاب وهو ظاهر الحال حجة دافعة لا مثبتة ( ولو كان مع المفقود وارث يحجب به لم يعط ) الوارث ( شيئا ، وإن انتقض حقه ) به ( أعطي أقل النصيبين ) ويوقف الباقي ( كالحمل ) ومحله الفرائض ، ولذا حذفه القدوري وغيره

.

التالي السابق


( قوله : ولا يستحق إلخ ) أي لا يحكم باستحقاقه للوصية بعد موت الموصي ولا بعدمه ، بل يوقف إلى ظهور الحال ، فإن ظهر إلى آخر ما سيذكره المصنف ( قوله : إلى موت أقرانه ) هذا ليس خاصا بالوصية بل هو حكمه العام في جميع أحكامه من قسمة ميراثه وبينونة زوجته وغير ذلك ( قوله : في بلده ) هو الأصح بحر ، وقيل المعتبر موت أقرانه من جميع البلاد فإن الأعمار قد تختلف طولا وقصرا بحسب الأقطار بحسب إجرائه سبحانه العادة ، ولذا قالوا : الصقالبة أطول أعمارا من الروم ، لكن في تعرف موت أقرانه من البلاد حرج عظيم ، بخلافه من بلده فإنما فيه نوع حرج محتمل فتح ( قوله : على المذهب ) وقيل يقدر بتسعين سنة بتقديم التاء من حين ولادته واختاره في الكنز ، وهو الأرفق هداية وعليه الفتوى ذخيرة ، وقيل بمائة ، وقيل بمائة وعشرين ، واختار المتأخرون ستين سنة واختار ابن الهمام سبعين لقوله عليه الصلاة والسلام { أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين } فكانت المنتهى غالبا . وذكر في شرح الوهبانية أنه حكاه في الينابيع عن بعضهم . قال في البحر : والعجب كيف يختارون خلاف ظاهر المذهب مع أنه واجب الاتباع على مقلد أبي حنيفة . وأجاب في النهر بأن التفحص عن موت الأقران غير ممكن أو فيه حرج ، فعن هذا اختاروا تقديره بالسن . ا هـ .

قلت : وقد يقال : لا مخالفة بل هو تفسير لظاهر الرواية وهو موت الأقران ، لكن اختلفوا ; فمنهم من اعتبر أطول ما يعيش إليه الأقران غالبا ، ثم اختلفوا فيه هل هو تسعون أو مائة أو مائة وعشرون ، ومنهم وهم المتأخرون اعتبروا الغالب من الأعمار ، أي أكثر ما يعيش إليه الأقران غالبا لا أطوله فقدروه بستين ; لأن من يعيش فوقها نادر والحكم للغالب ، وقدره ابن الهمام بسبعين للحديث ; لأنها نهاية هذا الغالب ويشير إلى هذا الجواب قوله في الفتح بعد حكاية الأقوال [ ص: 297 ] والحاصل أن الاختلاف ما جاء إلا من اختلاف الرأي في أن الغالب هذا في الطول أو مطلقا ا هـ ( قوله : واختار الزيلعي تفويضه للإمام ) قال في الفتح : فأي وقت رأى المصلحة حكم بموته . قال في النهر : وفي الينابيع : قيل يفوض إلى رأي القاضي ، ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية . وفي القنية : جعل هذا رواية عن الإمام . ا هـ .

قلت : والظاهر أن هذا غير خارج عن ظاهر الرواية أيضا ، بل هو أقرب إليه من القول بالتقدير ; لأنه فسره في شرح الوهبانية بأن ينظر ويجتهد ويفعل ما يغلب على ظنه فلا يقول بالتقدير ; لأنه لم يرد به الشرع بل ينظر في الأقران وفي الزمان والمكان ويجتهد ، ثم نقل عن مغني الحنابلة حكايته عن الشافعي ومحمد ، وأنه المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف . وقال الزيلعي : لأنه يختلف باختلاف البلاد وكذا غلبة الظن تختلف باختلاف الأشخاص فإن الملك العظيم إذا انقطع خبره يغلب على الظن في أدنى مدة أنه قد مات ا هـ ومقتضاه أنه يجتهد ويحكم القرائن الظاهرة الدالة على موته وعلى هذا يبتنى على ما في جامع الفتاوى حيث قال : وإذا فقد في المهلكة فموته غالب فيحكم به ، كما إذا فقد في وقت الملاقاة مع العدو أو مع قطاع الطريق ، أو سافر على المرض الغالب هلاكه ، أو كان سفره في البحر وما أشبه ذلك حكم بموته ; لأنه الغالب في هذه الحالات وإن كان بين احتمالين ، واحتمال موته ناشئ عن دليل لا احتمال حياته ; لأن هذا الاحتمال كاحتمال ما إذا بلغ المفقود مقدار ما لا يعيش على حسب ما اختلفوا في المقدار نقل من الغنية ا هـ ما في جامع الفتاوى .

وأفتى به بعض مشايخ مشايخنا وقال إنه أفتى به قاضي زاده صاحب بحر الفتاوى ، لكن لا يخفى أنه لا بد من مضي مدة طويلة حتى يغلب على الظن موته لا بمجرد فقده عند ملاقاة العدو أو سفره البحر ونحوه إلا إذا كان ملكا عظيما فإنه إذا بقي حيا تشتهر حياته ، فلذا قلنا إن هذا مبني على ما قاله الزيلعي تأمل ( قوله : وطريق قبول البينة ) فيه إيهام أنه يحتاج إلى بينة على موت أقرانه وليس بمراد ، بل المراد ما إذا قامت بينة على موته حقيقة . ففي النهر عن التتارخانية : ثم طريق موته إما بالبينة أو موت الأقران . وطريق قبول هذه البينة أن يجعل القاضي إلخ ( قوله : أو ينصب عليه قيما ) أي إذا لم يكن له وكيل يحفظ ماله ينصب عنه مسخرا لإثبات دعوى موته من زوجته أو أحد ورثته أو غريمه ( قوله : بقضاء إلخ ) هو أحد قولين . قال القهستاني : وفي الفاء من قوله فتعتد عرسه دلالة على أنه يحكم بموته بمجرد انقضاء المدة فلا يتوقف على قضاء القاضي كما قال شرف الأئمة وقال نجم الأئمة القاضي عبد الرحيم نص على أنه يتوقف عليه كما في المنية . ا هـ . وما قاله شرف الأئمة موافق للمتون سائحاني .

قلت : لكن المتبادر من العبارة أن المنصوص عليه في المذهب الثاني . ثم رأيت عبارة الواقعات عن القنية أن هذا أي ما روي عن أبي حنيفة من تفويض موته إلى رأي القاضي نص على أنه إنما يحكم بموته بقضاء إلخ ( قوله : فإن ظهر قبله ) هذه القبلية لا مفهوم لها وإن ذكرها الكثيرون سائحاني ، ولذا قال في البحر : وإن علم حياته في وقت من الأوقات يرث من مات قبل ذلك الوقت من أقاربه ا هـ لكن لو عاد حيا بعد الحكم بموت أقرانه قال ط : الظاهر أنه كالميت إذا أحيي ، والمرتد إذا أسلم ، فالباقي في يد ورثته له ولا يطالب بما ذهب . قال : ثم بعد رقمه رأيت المرحوم أبا السعود نقله عن الشيخ شاهين ونقل أن زوجته له والأولاد للثاني ا هـ تأمل ( قوله : فله ذلك القسط ) [ ص: 298 ] أي الموقوف له من الوصية وكذا الإرث كما علمت ( قوله : وبعده ) أي بعد موت أقرانه وهو متعلق بقوله يحكم لا بقوله ظهر ; لأنه يصير المعنى وإن ظهر حيا بعد موت أقرانه يحكم بموته إلخ وهو فاسد كما لا يخفى .

( قوله : فتعتد منه عرسه للموت ) أي عدة الوفاة ويرد قسطه من الوصية إلى ورثة الموصي ( قوله : بين من يرثه الآن ) أي حين حكم بموته لا من مات قبل ذلك الوقت من ورثته زيلعي ، وكذا يحكم بعتق مدبريه وأمهات أولاده في ذلك الوقت بحر ( قوله : من حين فقده ) أي ما لم تعلم حياته في وقت كما مر ( قوله : عند موته ) أي موت المورث ( قوله : حجة دافعة ) فتدفع ثبوت حق لغيره في ماله ( قوله : لا مثبتة ) فلا يثبت له حق في مال غيره ( قوله : ولو كان مع المفقود وارث يحجب به إلخ ) أي يحجب ذلك الوارث بالمفقود ، ويظهر هذا من المثال السابق حيث لم يعط أولاد الابن المفقود شيئا قبل ظهور حياته لحجبهم به وأعطي البنتان النصف فقط دون الثلثين ووقف لهما السدس ولأولاد الابن الثلث إلى ظهور موته فإن ظهر حيا أخذ النصف الموقوف ( قوله : كالحمل ) فإنه لو كان معه وارث لا يتغير إرثه بحال يعطى كل نصيبه ، وإن كان ينقص حقه به يعطى الأقل ، وإن كان يسقط به لا يعطى شيئا فلو ترك ابنا وزوجة حاملا تعطى الزوجة الثمن ; لأنه لا يتغير والابن نصف الباقي ; لأنه أقل من كل الباقي على تقدير موت الحمل ومن ثلثي الباقي على تقدير كون الحمل أنثى ، ولو ترك زوجة حاملا وأخا شقيقا أو عما لا يعطى شيئا لاحتمال ذكورة الحمل ( قوله : ولذا حذفه ) أي حذف قوله ولو كان مع المفقود وارث إلخ .




الخدمات العلمية