الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2124 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة أخبرته أن بريرة جاءت تستعين عائشة في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون لي ولاؤك فعلت فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك ويكون لنا ولاؤك فلتفعل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن عائشة والعمل على هذا عند أهل العلم أن الولاء لمن أعتق [ ص: 265 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 265 ] قوله : ( أن بريرة ) بوزن عظيمة هي مولاة لعائشة ، تقدم ترجمتها في باب اشتراط الولاء والزجر عن ذلك من أبواب البيوع ( تستعين عائشة ) جملة حالية ( ولم تكن قضت ) أي أدت ( من كتابتها ) أي من بدل كتابتها ( ارجعي إلى أهلك ) المراد به مواليها ( فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت ) ظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال الكتابة ولم يقع ذلك إذ لو وقع لكان اللوم بطلبها ولاء من أعتقها غيرها ، وقد رواه أبو أسامة عن هشام بلفظ يزيل الإشكال فقال إن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت ، وكذلك رواه وهيب عن هشام فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم : ابتاعي فأعتقي ، كذا في النيل ( فذكرت ذلك ) أي الذي قالته عائشة ( فأبوا ) أي امتنعوا أن يكون الولاء لعائشة ) إن شاءت أي عائشة ( أن تحتسب ) من الحسبة بكسر المهملة أي تحتسب الأجر عند الله ( ويكون ) بالنصب عطف على تحتسب ( لنا ولاؤك ) لا لها ( فذكرت ) أي عائشة ( ابتاعي فأعتقي ) هو كقوله في حديث ابن عمر : لا يمنعك ذلك ( فإنما الولاء لمن أعتق ) فيه إثبات الولاء للمعتق ونفيه عما عداه كما تقضيه إنما الحصرية ، واستدل بذلك على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل أو وقع بينه وبينه مخالفة خلافا للحنفية ، ولا للملتقط خلافا لإسحاق ( ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية للبخاري ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد ( ما بال أقوام ) أي ما حالهم ( ليست في كتاب الله ) أي في حكم الله الذي كتبه على عباده وشرعه لهم ، قال ابن خزيمة : أي ليس في حكم [ ص: 266 ] الله جوازها أو وجوبها لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب باطل لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو نجومه ونحو ذلك فلا يبطل ، فالشروط المشروعة صحيحة وغيرها باطل ( فليس له ) أي ذلك الشرط أي لا يستحقه ، وفي رواية النسائي : من شرط شرطا ليس في كتاب الله لم يجز له ( وإن اشترط مائة مرة ) ذكر المائة للمبالغة في الكثرة لا أن هذا العدد بعينه هو المراد .

                                                                                                          واعلم أن هذا الحديث قد استنبط أهل العلم منه فوائد كثيرة ، قال ابن بطال : أكثر الناس في تخريج الوجوه في حديث بريرة حتى بلغوها نحو مائة وجه ، وقال النووي : صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين أكثر فيهما من استنباط الفوائد منها فذكر أشياء ، قال الحافظ : ولم أقف على تصنيف ابن خزيمة ووقفت على كلام ابن جرير من كتابه تهذيب الآثار ولخصت منه ما تيسر بعون الله تعالى ، وقد بلغ بعض المتأخرين الفوائد من حديث بريرة إلى أربعمائة أكثرها مستبعد متكلف كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان فبلغ به ألف فائدة وفائدة انتهى ، وقد ذكر الحافظ في الفتح كثيرا من فوائد هذا الحديث في كتاب المكاتب وفي كتاب النكاح .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري في مواضع عديدة في أوائل كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد ، وفي الزكاة في باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفي العتق والمكاتب والهبة والبيوع والفرائض والطلاق والشروط والأطعمة وكفارة الأيمان ، وأخرجه في الطلاق من حديث ابن عباس ، وفي الفرائض من حديث ابن عمر ، وأخرج مسلم طرفا منه من حديث أبي هريرة ، وأخرجه البخاري أيضا في باب البيع والشراء مع النساء من طريق عروة عن عائشة ، وفي باب إذا اشترط في البيع شروطا من حديث هشام عن أبيه عنها ، وأخرجه مسلم أيضا مطولا ومختصرا أخرجه أبو داود في العتق والنسائي في البيوع وفي العتق والفرائض وفي الشروط ، وابن ماجه في العتق .




                                                                                                          الخدمات العلمية