الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب كفارة من أتى أهله في رمضان

                                                                      2390 حدثنا مسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالا حدثنا سفيان قال مسدد حدثنا الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت فقال ما شأنك قال وقعت على امرأتي في رمضان قال فهل تجد ما تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا قال اجلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال تصدق به فقال يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه قال فأطعمه إياهم و قال مسدد في موضع آخر أنيابه حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الحديث بمعناه زاد الزهري وإنما كان هذا رخصة له خاصة فلو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير قال أبو داود رواه الليث بن سعد والأوزاعي ومنصور بن المعتمر وعراك بن مالك على معنى ابن عيينة زاد فيه الأوزاعي واستغفر الله [ ص: 17 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 17 ] ( أخبرنا سفيان ) : هو ابن عيينة ( قال مسدد ) : في روايته دون محمد بن عيسى قال : سفيان ( أخبرنا الزهري ) : أي حدثنا الزهري بصيغة التحديث ، وأما محمد بن عيسى فقال عن الزهري بالعنعنة ( ما شأنك ) : أي ما حالك ( وقعت على امرأتي ) : أي جامعتها ( رقبة ) : بالنصب بدل من ما ( أن تطعم ستين مسكينا ) : أي أن لكل مسكين مدا من طعام ربع صاع ( فأتي ) : بضم الهمزة بصيغة المجهول ( بعرق ) : بفتح العين المهملة والراء ثم قاف .

                                                                      قال الزركشي : ويروى بإسكان الراء أي المكتل والزنبيل ( ما بين لابتيها ) : تثنية [ ص: 18 ] لابة بخفة الموحدة وهي الحرة والحرة الأرض التي فيها حجارة سود ، ويقال فيها لوبة ونوبة بالنون وهي غير مهموزة ( أنيابه ) : جمع ناب وهو الذي بعد الرباعية .

                                                                      قال الخطابي : في هذا الحديث من الفقه أن على المجامع متعمدا في نهار شهر رمضان القضاء والكفارة وهو قول عامة أهل العلم غير سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة فإنهم قالوا عليه القضاء ولا كفارة ، ويشبه أن يكون حديث أبي هريرة لم يبلغهم والله أعلم .

                                                                      وفيه أن من قدر على عتق الرقبة لم يجزه الصيام ولا الإطعام ; لأن البيان خرج فيه مرتبا ، فقدم العتق ثم نسق عليه الصيام ثم الإطعام ، كما رتب ذلك في كفارة الظهار ، وهو قول أكثر العلماء إلا أن مالك بن أنس زعم أنه مخير بين عتق رقبة وصوم شهرين والإطعام ، وحكي عنه أنه قال : الإطعام أحب إلي من العتق وفيه دلالة من جهة الظاهر أن الكفارة إطعام مد واحد لكل مسكين لأن خمسة عشر صاعا إذا قسمت بين ستين لم يخص كل واحد منهم أكثر من مد ، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي .

                                                                      وقال أبو حنيفة وأصحابه : يطعم كل مسكين نصف صاع .

                                                                      وفي قوله : وصم يوما واستغفر الله بيان أن صوم ذلك اليوم هو القضاء لا يدخل في صيام شهرين .

                                                                      قال : فإن كفر بالعتق أو بالإطعام صام يوما مكانه .

                                                                      وقال أيضا : وفي أمره الرجل بالكفارة لما كان منه من الجنابة دليل على أن المرأة عليها كفارة مثلها ; لأن الشريعة قد سوت بين الناس في الأحكام إلا موضعا قام عليه دليل التخصيص ، فإذا لزمها القضاء لأنها أفطرت بجماع متعمدة كما وجب على الرجل وجبت عليها الكفارة لهذه العلة كالرجل سواء ، وهذا مذهب أكثر العلماء .

                                                                      وقال الشافعي : يجزئهما كفارة واحدة وهي على الرجل دونها ، وكذلك قال الأوزاعي إلا أنه قال : إن كانت الكفارة بالصيام كان على كل واحد منهما صوم شهرين . انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه .

                                                                      [ ص: 19 ] ( فلو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير ) : قال الخطابي : وهذا من الزهري دعوى لم يحضر عليها برهانا ولا ذكر فيها شاهدا .

                                                                      وقال غيره : هذا منسوخ ولم يذكر في نسخه خبرا يعلم به صحة قوله .

                                                                      فأحسن ما سمعت فيه قول أبي يعقوب البويطي ، وذلك أنه قال هذا للرجل وجبت عليه الرقبة فلم يكن عنده ما يشتري رقبة ، فقيل له : صم ، فلم يطق الصوم ، فقيل له : إطعام ستين مسكينا فلم يجد ما يطعم ، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بطعام ليتصدق [ ص: 20 ] به فأخبر أنه ليس بالمدينة أحوج منه ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى فلم ير له أن يتصدق على غيره ويترك نفسه وعياله فلما نقص من ذلك بقدر ما أطعم أهله لقوت يومهم صار طعاما لا يكفي ستين مسكينا فسقطت عنه الكفارة في ذلك الوقت وكانت في ذمته إلا أن يجدها ، وصار كالمفلس يمهل ويؤجل وليس في الحديث أنه قال : لا كفارة عليك .

                                                                      وقد ذهب بعضهم إلى أن الكفارة لا تلزم الفقير واحتج بظاهر هذا الحديث . انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية