الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (ليسوا سواء) ، في سبب نزولها قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، احتبس عن صلاة العشاء ليلة حتى ذهب ثلث الليل ، [ ص: 442 ] ثم جاء فبشرهم ، فقال: "إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب" فنزلت هذه الآية ، قاله ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه لما أسلم ابن سلام في جماعة من اليهود ، قال أحبارهم: ما آمن بمحمد إلا أشرارنا ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . وفي معنى الآية قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: ليس أمة محمد واليهود سواء ، هذا قول ابن مسعود ، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: ليس اليهود كلهم سواء ، بل فيهم من هو قائم بأمر الله ، هذا قول ابن عباس ، وقتادة . وقال الزجاج: الوقف التام (ليسوا سواء) أي: ليس أهل الكتاب متساوين . وفي معنى "قائمة" ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها الثابتة على أمر الله ، قاله ابن عباس ، وقتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها العادلة ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها المستقيمة ، قاله أبو عبيد ، والزجاج . قال الفراء: ذكر أمة واحدة ولم يذكر بعدها أخرى ، والكلام مبني على أخرى ، لأن "سواء" لا بد لها من اثنين ، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان في الكلام دليل عليه . قال أبو ذؤيب:


                                                                                                                                                                                                                                      عصيت إليها القلب إني لأمره سميع فما أدري أرشد طلابها؟!

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 443 ] ولم يقل: أم لا ، ولا أم غي ، لأن الكلام معروف المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      وما أدري إذا يممت أرضا     أريد الخير أيهما يليني


                                                                                                                                                                                                                                      أألخير الذي أنا أبتغيه     أم الشر الذي هو يبتغيني



                                                                                                                                                                                                                                      ومثله قوله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما [ الزمر: 9 ] ولم يذكر ضده ، لأن في قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [ الزمر: 9 ] . دليلا على ما أضمر من ذلك ، وقد رد هذا القول الزجاج ، فقال: قد جرى ذكر أهل الكتاب في قوله تعالى: كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق فأعلم الله أن منهم أمة قائمة . فما الحاجة إلى أن يقال: وأمة غير قائمة؟ وإنما بدأ بذكر فعل الأكثر منهم ، وهو الكفر والمشاقة فذكر من كان منهم مباينا لهؤلاء . قال: و"آناء الليل" ساعاته ، وواحد الآناء: إني . قال ابن فارس: يقال: مضى من الليل إني ، وإنيان ، والجمع: الآناء . واختلف المفسرون . هل هذه الآناء معينة من الليل أم لا؟ على قولين .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها معينة ، ثم فيها ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها صلاة العشاء ، قاله ابن مسعود ، ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها ما بين المغرب والعشاء ، رواه سفيان عن منصور .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: جوف الليل ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 444 ] . والثاني: أنها ساعات الليل من غير تعيين ، قاله قتادة في آخرين .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله تعالى: (وهم يسجدون) ، قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه كناية عن الصلاة ، قاله مقاتل ، والفراء ، والزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه السجود المعروف ، وليس المراد أنهم يتلون في حال السجود ، ولكنهم جمعوا الأمرين ، التلاوة والسجود .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية