الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الرابع والثلاثون في خبر بعض المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان هلاكهم

                                                                                                                                                                                                                              قال الله سبحانه وتعالى : ولقد استهزئ برسل من قبلك كما استهزئ بك . وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم فأمليت أمهلت للذين كفروا ثم أخذتهم بالعقوبة فكيف كان عقاب [الرعد 32] أي فكيف رأيت ما صنعت بهم فكذلك أصنع بمن استهزأ بك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال تبارك وتعالى : إنا كفيناك المستهزئين بأن أهلكناهم بآفة الذين يجعلون مع الله إلها آخر [الحجر 95] صفة وقيل مبتدأ ولتضمنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره وهو فسوف يعلمون عاقبة أمرهم ولقد للتحقيق نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون من الاستهزاء والكذب فسبح متلبسا بحمد ربك أي قل سبحان الله وبحمده وكن من الساجدين المصلين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين [الحجر 97 : 99] الموت .

                                                                                                                                                                                                                              قال الجمهور ومنهم ابن عباس في أكثر الروايات عنه : كانوا خمسة . وقال في رواية : كانوا ثمانية وصححه في الغرر وجزم به أبو عمرو العراقي في الدرر .

                                                                                                                                                                                                                              الأول : الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن زهرة ، وهو ابن خال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال البلاذري : كان إذا رأى المسلمين قال لأصحابه : قد جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى وقيصر . ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم : أما كلمت اليوم من السماء يا محمد . وما أشبه هذا القول . فخرج من عند أهله فأصابته السموم فاسود وجهه حتى صار حبشيا ، فأتى أهله فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب ، فرجع متلددا حتى مات عطشا .

                                                                                                                                                                                                                              ويقال إن جبريل صلى الله عليه وسلم أومأ إلى رأسه فضربته الأكلة فامتخض رأسه قيحا ويقال أومأ إلى بطنه فسقى بطنه ومات حبنا . ويقال إنه عطش فشرب الماء حتى انشق بطنه .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : والقول الأول رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن ابن عباس ، ورواه أيضا عن الربيع بن أنس . وزاد : وكان رجلا أبيض حسن الجسم . والقول الثاني رواه الطبراني والبيهقي والضياء بسند صحيح . والقول الثالث رواه أبو نعيم من طريقين ضعيفين . والقول الرابع رواه . . .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي حاتم والبلاذري بسند صحيح عن عكرمة أن جبريل حنى ظهر الأسود حتى احقوقف صدره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خالي خالي . فقال : دعه عنك يا محمد فقد كفيته .

                                                                                                                                                                                                                              ولا تخالف بين هذه الروايات لاحتمال أن جميعها حصل له .

                                                                                                                                                                                                                              امتخض : بالخاء والضاد المعجمتين : أي تحرك . [ ص: 461 ]

                                                                                                                                                                                                                              احقوقف : انحنى .

                                                                                                                                                                                                                              الحبن- بحاء مهملة مفتوحتين : عظم البطن .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : الحارث بن قيس السهمي

                                                                                                                                                                                                                              وهو ابن العنطلة ينسب إلى أمه ، وكان يأخذ حجرا يعبده فإذا رأى أحسن منه تركه وأخذ الأحسن .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه نزلت : أرأيت من اتخذ إلهه هواه أي مهويه قدم المفعول الثاني لأنه أهم وجملة من مفعول أول لأرأيت أفأنت تكون عليه وكيلا [الفرقان 43] حافظا تحفظه من اتباع هواه لا .

                                                                                                                                                                                                                              وكان يقول : لقد غر محمد نفسه وأصحابه أن وعدهم أن يحيوا بعد الموت ، والله ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث . فأكل حوتا مملوحا فلم يزل يشرب عليه الماء حتى انقد بطنه . ويقال إنه أصابته الذبحة . وقال بعضهم : امتخض رأسه قيحا .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : القول الأول رواه عبد الرازق وابن جرير وغيرهما عن قتادة ومقسم مولى ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى .

                                                                                                                                                                                                                              قال البلاذري رحمه الله : كان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويقولون : قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر ثم يمكون ويصفرون . وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام شق عليه فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمي الله بصره ويثكله ولده فخرج يستقبل ابنه وقد قدم من الشام ، فلما كان ببعض الطريق جلس في ظل شجرة فجعل جبريل صلى الله عليه وسلم يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها خضراء وبشوك من شوكها حتى عمي فجعل يستغيث بغلامه . فقال له غلامه : ما أرى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك . ويقال إن جبريل صلى الله عليه وسلم أومأ إلى عينيه فعمي فشغل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولما كان يوم بدر قتل ابنه زمعة بن الأسود ، قتله أبو دجانة ويقال قتله ثابت بن الجذع ، قتل ابنه عقيل أيضا ، قتله حمزة بن عبد المطلب وعلي رضي الله عنهما اشتركا فيه . وقيل قتله علي وحده رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : مالك بن الطلاطلة - بطائين مهملتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة- ابن عمرو بن غبشان - بضم الغين المعجمة وسكون الباء الموحدة بعدها شين معجمة- ذكره فيهم ابن الكلبي والبلاذري ، وكان سفيها فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعاذ بالله من شره فعصر جبريل بطنه حتى خرج خلاؤه من بطنه فمات . [ ص: 462 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقال البلاذري وقال غير ابن الكلبي ، أشار جبريل إليه فامتخض رأسه قيحا وقال آخر : هو عمر بن الطلاطل . وذلك باطل .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : العاصي بن وائل السهمي .

                                                                                                                                                                                                                              قال البلاذري : ركب حمارا له ويقال بغلة بيضاء فلما نزل شعبا من تلك الشعاب وهو يريد الطائف ربض به الحمار أو البغلة على شبرقة فأصابت رجله شوكة منها فانتفخت حتى صارت كعنق البعير ومات . ويقال إنه لما ربض به حماره أو البغلة لدغ فمات مكانه . قلت : القول الأول رواه البلاذري والقول الثاني رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                              الشبرقة- بكسر الشين المعجمة والراء : رطب الضريع .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان وابن إسحاق عن خباب بن الأرت قال : كنت قينا . أي حدادا- في الجاهلية فعملت للعاصي بن وائل سيوفا- وفي رواية سيفا- فجئته أتقاضاه فقال : لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . فقلت : لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث . قال : وإني لميت ثم مبعوث؟ ! قلت : بلى . قال : دعني أموت وأبعث فنؤتى مالا وولدا فأعطيك هنالك حقك ووالله لا تكون أنت وصاحبك يا خباب آثر عند الله مني ولا أعظم حظا .

                                                                                                                                                                                                                              فأنزل الله تعالى فيه أفرأيت الذي كفر بآياتنا العاصي بن وائل وقال لخباب بن الأرت القائل له : تبعث بعد الموت والمطالب له بمال : لأوتين على تقدير البعث مالا وولدا فأقضيك . قال تعالى : أطلع الغيب أي أعلمه وأن يؤتي ما قاله ، واستغني بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فحذفت أم اتخذ عند الرحمن عهدا بأن يؤتى ما قاله كلا أي لا يؤتى ذلك سنكتب نأمر بكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا نزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره ونرثه ما يقول من المال والولد ويأتينا يوم القيامة فردا [مريم 77 : 80] لا مال له ولا ولد
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : الحكم بن أبي العاصي بن أمية .

                                                                                                                                                                                                                              قال البلاذري : كان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتمه ويسمعه ما يكره ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ذات يوم وهو خلفه يخلج بأنفه وفمه فبقي على ذلك ، وأظهر الإسلام يوم الفتح وكان مغموصا عليه في دينه ، - فاطلع يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض حجر نسائه فخرج إليه بعنزة وقال : من عذيري من هذا الوزغة؟ لو أدركته لفقأت عينه أو كما قال صلى الله عليه وسلم . ولعنه وما ولد وغربه من المدينة فلم يزل خارجا منها إلى أن مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وروى أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رجل [ ص: 463 ] خلف النبي صلى الله عليه وسلم يحاكيه ويلمض فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال كذلك كن . فرجع إلى أهله فلبط به مغشيا عليه شهرا ثم أفاق حين أفاق وهو كما يحاكي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا المبهم الظاهر أنه الحكم .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : الوليد بن المغيرة :

                                                                                                                                                                                                                              قال البلاذري فمر الوليد برجل يقال له حراث- بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين- ابن عامر بن خزاعة ، وهو الثبت- وبعضهم يقول حراب بالحاء المهملة والباء الموحدة- وهو يريش نبلا له ويصلحها فوطئ على سهم منها فخدشته خدشا يسيرا ، ويقال علق بإزاره فخدش ساقه خدشا خفيفا فأهوى إليه جبريل فانتفض الخدش وضربته الأكلة في رجله أو ساقه فمات .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : أبو لهب ، وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال البلاذري : وكان يطرح القذر والنتن على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرآه حمزة بن عبد المطلب وقد طرح من ذلك شيئا فأخذه وطرحه على رأسه ، فجعل أبو لهب ينفض رأسه ويقول : صابئ أحمق . فأقصر عما كان يفعل ، لكنه كان يدس من يفعله .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وروى ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كنت بين شر جارين ، بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط ، إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي .

                                                                                                                                                                                                                              قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا بني عبد مناف أي جوار هذا؟ ثم يميطه عن بابه
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : وبعث أبو لهب ابنه عتبة بشيء يؤذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه يقرأ والنجم إذا هوى [النجم : 1] فقال : أنا كافر برب النجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلط الله عليك كلبا من كلابه ، فخرج في تجارة فجاء الأسد وهو بين أصحابه نائم بحوران من أرض الشام فجعل يهمس ويشم حتى انتهى إليه فمضغه مضغة أتت عليه ، فجعل يقول وهو بآخر رمق : ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس؟ ! ثم مات .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : صوابه عتيبة بالتصغير كما سيأتي بسط ذلك في أبواب إجابة دعواته .

                                                                                                                                                                                                                              ومات أبو لهب بداء يعرف- بالعدسة ، كانت العرب تتشاءم به وتفر ممن ظهر به ، فلما أصاب أبا لهب تركه أهله حتى مات ومكث مدة لا يدفن حتى خافوا العار فحفروا له حفرة فرموه فيها . كما سيأتي بيان ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وكانت امرأته أم جميل ابنة حرب تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا وهي حمالة الحطب ، وإنما سماها الله تعالى بذلك لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه بالليل على طريق [ ص: 464 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يمر هو وأصحابه لتعقرهم بذلك ، فبينا هي ذات يوم تحمل حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك فجذبها من خلفها بالحبل الذي في عنقها فخنقها به .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي : يا بني فهر ، يا بني عدي لبطون من قريش ، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش .

                                                                                                                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا : نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال : فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا! فأنزل الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم تبت خسرت . والتباب : الخسران المفضي إلى الهلاك ، يدا أبي لهب جملته وعبر عنها باليدين مجازا لأن أكثر الأفعال تداول بهما ، وكني بأبي لهب لحسنه وجماله وإنما كناه لأنه كان مشتهرا بكنيته دون اسمه وقيل لأن اسمه عبد العزى فلا يناسب في القرآن عبدية شخص إلى غير الله تعالى وهذه الجملة دعاء ، وتب خسر هو ، وهذه خبر كقولهم أهلكه الله وقد أهلكه
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              ولما خوفه النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي منه بمالي وولدي فأنزل ما أغنى عنه ماله وما كسب وكسبه : أي ولده ، وأغنى بمعنى يغني ، سيصلى نارا ذات لهب أي تلهب وتوقد فهي مآل تكنيته . وامرأته : عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل بالمفعول وصفته ، وهي أم جميل حمالة بالرفع الحطب الشوك والسعدان تلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم في جيدها عنقها حبل من مسد أي ليف ، وهذه الجملة حال من حمالة الحطب الذي هو نعت لامرأته أو خبر مبتدأ مقدر .

                                                                                                                                                                                                                              ولهذا مزيد بيان- في المعجزات .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر البلاذري ممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو الأصداء وكان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعلمك أهل الكتاب أساطيرهم ويقول الناس هو معلم مجنون فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لعلى جبل إذ اجتمعت عليه الأروى فنطحته حتى قتلته .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن إسحاق فيهم : أمية بن خلف الجمحي .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وكان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه فأنزل الله سبحانه وتعالى : ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده . [ ص: 465 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن هشام : الهمزة : الذي يشتم الرجل علانية ويكسر عينه عليه ويغمز به وجمعه همزات . واللمزة : الذي يعيب الناس سرا ويؤذيهم .

                                                                                                                                                                                                                              النضر بن الحارث .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : ابن كلدة بن علقمة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الخشني : والصواب علقمة بن كلدة .

                                                                                                                                                                                                                              كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فدعا فيه إلى الله وتلا عليهم القرآن وحذر قريشا ما أصاب الأمم الماضية خلفه في مجلسه إذا قام فحدثهم عن ملوك الفرس ، ثم يقول : والله ما محمد بأحسن حديثا مني ، وما أحاديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها فأنزل الله : وقالوا أساطير الأولين أكاذيبهم ، جمع أسطورة بالضم اكتتبها انتسخها من القوم بغيره فهي تملى تقرأ عليه ليحفظها بكرة وأصيلا غدوة وعشيا .

                                                                                                                                                                                                                              قال تعالى ردا عليهم : قل أنزله الذي يعلم السر الغيب في السماوات والأرض إنه كان غفورا للمؤمنين رحيما بهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فيما بلغني مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم وفي المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه وعليهم : إنكم يا أهل مكة وما تعبدون من دون الله أي غيره من الأوثان حصب جهنم وقودها أنتم لها واردون داخلون فيها لو كان هؤلاء الأوثان آلهة كما زعمتم ما وردوها دخلوها وكل من العابدين والمعبودين فيها خالدون لا خلاص لهم منها لهم للعابدين فيها زفير صياح وهم فيها لا يسمعون [الأنبياء 98 : 100] .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبد الله بن الزبعرى - بزاي فباء موحدة مكسورتين فعين مهملة ساكنة فراء فألف مقصورة- وأسلم بعد ذلك ، حتى جلس إليهم فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد وقد زعم محمد أنا وما نعبد من- آلهتنا هذه حصب جهنم . فقال عبد الله : أما والله ولو وجدته لخصمته فسلوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى ابن مريم . فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله ورأوا أنه قد احتج وخاصم .

                                                                                                                                                                                                                              فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده ، إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته .

                                                                                                                                                                                                                              فأنزل الله تعالى : إن الذين سبقت لهم منا المنزلة الحسنى وهي السعادة أو [ ص: 466 ] التوفيق للطاعة أو البشرى بالجنة ومنهم من ذكر ، أولئك عنها مبعدون لأنهم يرفعون إلى أعلى عليين لا يسمعون حسيسها صوتها : وهم في ما اشتهت أنفسهم من النعيم خالدون دائمون لا يحزنهم الفزع الأكبر وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار وتتلقاهم تستقبلهم الملائكة عند خروجهم من القبول يقولون لهم هذا يومكم الذي كنتم توعدون [الأنبياء 101 : 103] في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية