الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سوق ]

                                                          سوق : السوق : معروف . ساق الإبل وغيرها يسوقها سوقا وسياقا ، وهو سائق سواق ، شدد للمبالغة ؛ قال الخطم القيسي ، ويقال لأبي زغبة الخارجي :


                                                          قد لفها الليل بسواق حطم

                                                          وقوله تعالى : وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ؛ قيل في التفسير : سائق يسوقها إلى محشرها ، وشهيد يشهد عليها بعملها ، وقيل : الشهيد هو عملها نفسه ، أساقها واستاقها فانساقت ؛ وأنشد ثعلب :


                                                          لولا قريش هلكت معد     واستاق مال الأضعف الأشد

                                                          وسوقها : كساقها ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          لنا غنم نسوقها غزار     كأن قرون جلتها العصي

                                                          وفي الحديث : لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ؛ هو كناية عن استقامة الناس وانقيادهم إليه واتفاقهم عليه ، ولم يرد نفس العصا وإنما ضربها مثلا لاستيلائه عليهم وطاعتهم له ، إلا أن في ذكرها دلالة على عسفه بهم وخشونته عليهم . وفي الحديث : وسواق يسوق بهن ، أي : حاد يحدو الإبل فهو يسوقهن بحدائه ، وسواق الإبل يقدمها ؛ ومنه : رويدك سوقك بالقوارير . وقد انساقت وتساوقت الإبل تساوقا إذا تتابعت ، وكذلك تقاودت فهي متقاودة متساوقة . وفي حديث أم معبد : فجاء زوجها يسوق أعنزا ما تساوق أي ما تتابع . والمساوقة : المتابعة كأن بعضها يسوق بعضا . والأصل في تساوق تتساوق كأنها لضعفها وفرط هزالها تتخاذل ويتخلف بعضها عن بعض . وساق إليها الصداق والمهر سياقا وأساقه ، وإن كان دارهم أو دنانير ، لأن أصل الصداق عند العرب الإبل ، وهي التي تساق ، فاستعمل ذلك في الدرهم والدينار وغيرهما . وساق فلان من امرأته أي أعطاها مهرها . والسياق : المهر . وفي الحديث : أنه رأى بعبد الرحمن وضرا من صفرة فقال : مهيم ، قال : تزوجت امرأة من الأنصار ، فقال : ما سقت إليها ؟ أي ما أمهرتها ، قيل للمهر سوق لأن العرب كانوا إذا تزوجوا ساقوا الإبل والغنم مهرا لأنها كانت الغالب على أموالهم ، وضع السوق موضع المهر وإن لم يكن إبلا وغنما ؛ وقوله في رواية : ما سقت منها ، بمعنى البدل كقوله : ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ؛ أي بدلكم . وأساقه إبلا : أعطاه إياها يسوقها . والسيقة : ما اختلس من الشيء فساقه ؛ ومنه قولهم : إنما ابن آدم سيقة يسوقه الله حيث شاء ، وقيل : السيقة التي تساق سوقا ؛ قال :


                                                          وهل أنا إلا مثل سيقة العدا     إن استقدمت نحر وإن جبأت عقر

                                                          ويقال لما سيق من النهب فطرد : سيقة ؛ وأنشد البيت أيضا :


                                                          وهل أنا إلا مثل سيقة العدا

                                                          الأزهري : السيقة ما استاقه العدو من الدواب مثل الوسيقة . الأصمعي : السيق من السحاب ما طردته الريح ، كان فيه ماء أو لم يكن ، وفي الصحاح : الذي تسوقه الريح وليس فيه ماء . وساقة الجيش : مؤخره . وفي صفة مشيه ، عليه السلام : كان يسوق أصحابه ، أي : يقدمهم ويمشي خلفهم تواضعا ولا يدع أحدا يمشي خلفه . وفي الحديث في صفة الأولياء : إن كانت الساقة كان فيها وإن كان في الجيش كان فيه . الساقة ؛ جمع سائق وهم الذين يسوقون جيش الغزاة ويكونون من ورائه يحفظونه ؛ ومنه ساقة الحاج . والسيقة : الناقة التي يستتر بها عن الصيد ثم يرمى ؛ عن ثعلب . والمسوق : بعير [ ص: 305 ] تستتر به من الصيد لتختله . والأساقة : سير الركاب للسروج . وساق بنفسه سياقا : نزع بها عند الموت . تقول : رأيت فلانا يسوق سوقا أي ينزع نزعا عند الموت ، يعني الموت . الكسائي : تقول هو يسوق نفسه ويفيظ نفسه وقد فاظت نفسه وأفاظه الله نفسه . ويقال : فلان في السياق أي في النزع . ابن شميل : رأيت فلانا بالسوق أي بالموت يساق سوقا ، وإنه نفسه لتساق . والسياق : نزع الروح . وفي الحديث : دخل سعيد على عثمان وهو في السوق أي النزع كأن روحه تساق لتخرج من بدنه . ويقال له السياق أيضا ، وأصله سواق ، فقلبت الواو ياء لكسرة السين ، وهما مصدران من ساق يسوق . وفي الحديث : حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياق الموت . والسوق : موضع البياعات . ابن سيده : السوق التي يتعامل فيها ، تذكر وتؤنث ؛ قال الشاعر في التذكير :


                                                          ألم يعظ الفتيان ما صار لمتي     بسوق كثير ريحه وأعاصره
                                                          علوني بمعصوب كأن سحيفه     سحيف قطامي حماما يطايره

                                                          المعصوب : السوط ، وسحيفه : صوته ؛ وأنشد أبو زيد :


                                                          إني إذا لم يند حلقا ريقه     وركد السب فقامت سوقه
                                                          طب بإهداء الخنا لبيقه

                                                          والجمع أسواق . وفي التنزيل : إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ؛ السوقة لغة فيه . وتسوق القوم إذا باعوا واشتروا . وفي حديث الجمعة : إذا جاءت سويقة . أى تجارة ، وهي تصغير السوق ، سميت بها لأن التجارة تجلب إليها وتساق المبيعات نحوها . وسوق القتال والحرب وسوقته : حومته ، وقد قيل : إن ذلك من سوق الناس إليها . الليث : الساق لكل شجرة ودابة وطائر وإنسان . والساق : ساق القدم . والساق من الإنسان : ما بين الركبة والقدم ، ومن الخيل والبغال والحمير والإبل : ما فوق الوظيف ، ومن البقر والغنم والظباء : ما فوق الكراع ؛ قال :

                                                          فعيناك عيناها وجيدك جيدها     ولكن عظم الساق منك رقيق

                                                          وامرأة سوقاء : تارة الساقين ذات شعر . والأسوق : الطويل عظم الساق ، والمصدر السوق ؛ وأنشد :


                                                          قب من التعداء حقب في السوق



                                                          الجوهري : امرأة سوقاء حسنة الساق . والأسوق : الطويل الساقين ؛ وقوله :


                                                          للفتى عقل يعيش به     حيث تهدي ساقه قدمه

                                                          فسره ابن الأعرابي فقال : معناه إن اهتدى لرشد علم أنه عاقل ، وإن اهتدى لغير رشد علم أنه على غير رشد . والساق مؤنث ؛ قال الله تعالى : والتفت الساق بالساق ؛ وقال كعب بن جعيل :


                                                          فإذا قامت إلى جاراتها     لاحت الساق بخلخال زجل

                                                          وفي حديث القيامة : يكشف عن ساقه ؛ الساق في اللغة الأمر الشديد ، وكشفه مثل في شدة الأمر كما يقال للشحيح يده مغلولة ولا يد ثم ولا غل ، وإنما هو مثل في شدة البخل ، وكذلك هذا : لا ساق هناك ولا كشف ؛ وأصله أن الإنسان إذا وقع في أمر شديد يقال : شمر ساعده وكشف عن ساقه للاهتمام بذلك الأمر العظيم . ابن سيده في قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ؛ إنما يريد به شدة الأمر كقولهم : قامت الحرب على ساق ، ولسنا ندفع مع ذلك أن الساق إذا أريدت بها الشدة فإنما هي مشبهة بالساق هذه التي تعلو القدم ، وأنه إنما قيل ذلك لأن الساق هي الحاملة للجملة والمنهضة لها فذكرت هنا لذلك تشبيها وتشنيعا ؛ وعلى هذا بيت الحماسة لجد طرفة :


                                                          كشفت لهم عن ساقها     وبدا من الشر الصراح

                                                          وقد يكون " يكشف عن ساق " لأن الناس يكشفون عن ساقهم ويشمرون للهرب عند شدة الأمر ؛ ويقال للأمر الشديد ساق لأن الإنسان إذا دهمته شدة شمر لها عن ساقيه ، ثم قيل للأمر الشديد ساق ؛ ومنه قول دريد :


                                                          كميش الإزار خارج نصف ساقه

                                                          أراد أنه مشمر جاد ، ولم يرد خروج الساق بعينها ؛ ومنه قولهم : ساوقه أي فاخره أيهم أشد . وقال ابن مسعود : يكشف الرحمن جل ثناؤه عن ساقه فيخر المؤمنون سجدا ، وتكون ظهور المنافقين طبقا طبقا كأن فيها السفافيد . وأما قوله تعالى : فطفق مسحا بالسوق والأعناق ؛ فالسوق جمع ساق ، مثل دار ودور ؛ الجوهري : الجمع سوق ، مثل أسد وأسد ، وسيقان وأسوق ؛ وأنشد ابن بري لسلامة بن جندل :


                                                          كأن مناخا من قنون ومنزلا     بحيث التقينا من أكف وأسوق

                                                          وقال الشماخ :


                                                          أبعد قتيل بالمدينة أظلمت     له الأرض تهتز العضاه بأسوق
                                                          فأقسمت لا أنساك ما لاح كوكب     وما اهتز أغصان العضاه بأسوق

                                                          وفي الحديث : لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين ؛ هما تصغير الساق ، وهي مؤنثة ، فلذلك ظهرت التاء في تصغيرها ، وإنما صغر الساقين لأن الغالب على سوقالحبشة الدقة والحموشة . وفي حديث الزبرقان : الأسوق الأعنق ؛ هو الطويل الساق والعنق . وساق الشجرة : جذعها ، وقيل : ما بين أصلها إلى مشعب أفنانها ، وجمع ذلك كله أسوق وأسؤق وسووق وسئوق وسوق وسوق ؛ الأخيرة نادرة ، توهموا ضمة السين على الواو وقد غلب ذلك على لغة أبي حية النميري ؛ وهمزها جرير في قوله :


                                                          أحب المؤقدان إليك مؤسي

                                                          وروي : أحب المؤقدين . وعليه وجه أبو علي قراءة من قرأ : " عادا الأؤلى " .

                                                          [ ص: 306 ] وفي حديث معاوية : قال رجل : خاصمت إليه ابن أخي فجعلت أحجه ، فقال : أنت كما قال :


                                                          إني أتيح له حرباء تنضبة     لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا

                                                          أراد بالساق هاهنا الغصن من أغصان الشجرة ؛ المعنى لا تنقضي له حجة إلا تعلق بأخرى ، تشبيها بالحرباء وانتقاله من غصن إلى غصن يدور مع الشمس . وسوق النبت : صار له ساق ؛ قال ذو الرمة :


                                                          لها قصب فعم خدال كأنه     مسوق بردي على حائر غمر

                                                          وساقه : أصاب ساقه . وسقته : أصبت ساقه . والسوق : حسن الساق وغلظها ، وسوق سوقا وهو أسوق ؛ وقول العجاج :


                                                          بمخدر من المخادير ذكر     يهتذ ردمي الحديد المستمر
                                                          هذك سواق الحصاد المختضر

                                                          الحصاد : بقلة يقال لها الحصادة . والسواق : الطويل الساق ، وقيل : هو ما سوق وصار على ساق من النبت ؛ والمخدر : القاطع خدره ، وخضره : قطعه ؛ قال ذلك كله أبو زيد ، سيف مخدر . ابن السكيت : يقال ولدت فلانة ثلاثة بنين على ساق واحدة أي بعضهم على إثر بعض ليس بينهم جارية ؛ وولد لفلان ثلاثة أولاد ساقا على ساق أي واحد في إثر واحد ، وولدت ثلاثة على ساق واحدة أي بعضهم في إثر بعض ليست بينهم جارية ، وبنى القوم بيوتهم على ساق واحدة ، وقام فلان على ساق إذا عني بالأمر وتحزم به . وقامت الحرب على ساق ، وهو على المثل . وقام القوم على ساق : يراد بذلك الكد والمشقة . وليس هناك ساق ، كما قالوا : جاءوا على بكرة أبيهم إذا جاءوا عن آخرهم ، وكما قالوا : شر لا ينادى وليده . وأوهت بساق أي كدت أفعل ؛ قال قرط يصف الذئب :


                                                          ولكني رميتك من بعيد     فلم أفعل وقد أوهت بساق

                                                          وقيل : معناه هنا قربت العدة . والساق : النفس ؛ ومنه قول علي - رضوان الله عليه - في حرب الشراة : لا بد لي من قتالهم ولو تلفت ساقي ؛ التفسير لأبي عمر الزاهد عن أبي العباس حكاه الهروي . والساق : الحمام الذكر ؛ وقال الكميت :


                                                          تغريد ساق على ساق يجاوبها     من الهواتف ذات الطوق والعطل

                                                          عنى بالأول الورشان وبالثاني ساق الشجرة ، وساق حر : الذكر من القماري ، سمي بصوته ؛ قال حميد بن ثور :


                                                          وما هاج هذا الشوق إلا حمامة     دعت ساق حر ترحة وترنما

                                                          ويقال له أيضا الساق ؛ قال الشماخ :


                                                          كادت تساقطني والرحل إذ نطقت     حمامة فدعت ساقا على ساق

                                                          وقال شمر : قال بعضهم الساق الحمام وحر فرخها . ويقال : ساق حر صوت القمري . قال أبو منصور : السوقة بمنزلة الرعية التي تسوسها الملوك ، سموا سوقة لأن الملوك يسوقونهم فينساقون لهم ، يقال للواحد سوقة وللجماعة سوقة . الجوهري : والسوقة خلاف الملك ، قال نهشل بن حري :


                                                          ولم تر عيني سوقة مثل مالك     ولا ملكا تجبي إليه مرازبه

                                                          يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث والمذكر ؛ قالت بنت النعمان بن المنذر :


                                                          فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا     إذا نحن فيهم سوقة نتنصف

                                                          أي نخدم الناس ، قال : وربما جمع على سوق . وفي حديث المرأة الجونية التي أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل بها ، فقال لها : هبي لي نفسك ، فقالت : هل تهب الملكة نفسها للسوقة ؟ السوقة من الناس : الرعية ومن دون الملك ، وكثير من الناس يظنون أن السوقة أهل الأسواق . والسوقة من الناس : من لم يكن ذا سلطان ، الذكر والأنثى في ذلك سواء ، والجمع السوق ، وقيل أوساطهم ؛ قال زهير :


                                                          يطلب شأو امرأين قدما حسنا     نالا الملوك وبذا هذه السوقا

                                                          والسويق : معروف ، والصاد فيه لغة لمكان المضارعة ، والجمع أسوقة . غيره : السويق ما يتخذ من الحنطة والشعير . ويقال : السويق المقل الحتي ، والسويق السبق الفتي ، والسويق الخمر ، وسويق الكرم الخمر ؛ وأنشد سيبويه لزياد الأعجم :


                                                          تكلفني سويق الكرم جرم     وما جرم وما ذاك السويق
                                                          وما عرفت سويق الكرم جرم     ولا أغلت به مذ قام سوق
                                                          فلما نزل التحريم فيها     إذا الجرمي منها لا يفيق

                                                          وقال أبو حنيفة : السوقة من الطرثوث ما تحت النكعة وهو كأير الحمار ، وليس فيه شيء أطيب من سوقته ولا أحلى ، وربما طال وربما قصر . وسوقة أهوى وسوقة حائل : موضعان ؛ أنشد ثعلب :


                                                          تهانفت واستبكاك رسم المنازل     بسوقة أهوى أو بسوقة حائل

                                                          وسويقة : موضع ؛ قال :

                                                          هيهات منزلنا بنعف سويقة     كانت مباركة من الأيام

                                                          وساقان : اسم موضع . والسوق : أرض معروفة ؛ قال رؤبة :


                                                          ترمي ذراعيه بجثجاث السوق

                                                          وسوقة : اسم رجل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية