الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4735 ) مسألة ; قال : ( ومن أوصى لعبده بثلث ماله ، فإن كان العبد يخرج من الثلث عتق ، وما فضل من الثلث بعد عتقه ، فهو له ، وإن لم يخرج من الثلث ، عتق منه بقدر الثلث ، إلا أن يجيز الورثة ) وجملة ذلك أنه إذا أوصى لعبده بجزء شائع من ماله ، كثلث أو ربع أو سدس ، صحت الوصية ، فإن خرج العبد من الوصية ، عتق ، واستحق باقيها ، وإن لم يخرج ، عتق منه بقدر الوصية . وبهذا قال الحسن ، وابن سيرين ، وأبو حنيفة ، إلا أنهم قالوا : إن لم يخرج من الثلث ، سعى في قيمة باقيه . وقال الشافعي رضي الله عنه : الوصية باطلة ، إلا أن يوصي بعتقه ; لأنه أوصى لمال يصير للورثة ، فلم يصح ، كما لو أوصى له بمعين . ولنا ، أن الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها ; لأنه من جملة الثلث الشائع ، والوصية له بنفسه تصح [ ص: 125 ] ويعتق ، وما فضل يستحقه ; لأنه يصير حرا ، فيملك الوصية ، فيصير كأنه قال : اعتقوا عبدي من ثلثي ، وأعطوه ما فضل منه ، وفارق ما إذا أوصى بمعين ; لأنه لا يتناول شيئا منه . ( 4736 ) فصل : فإن أوصى له بمعين من ماله ، كثوب أو دار أو بمائة درهم ، فالوصية باطلة ، في قول الأكثرين . وبه يقول الثوري ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي . وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى عن أحمد ، أنها تصح . وهو قول مالك ، وأبي ثور . وقال الحسن ، وابن سيرين : إن شاء الورثة أجازوا ، وإن شاءوا ردوا . ولنا ، أن العبد يصير ملكا للورثة ، فما وصى به له فهو لهم ، فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه ، فلا فائدة فيه . وفارق ما إذا أوصى له بمشاع ; لما ذكرناه .

                                                                                                                                            ( 4737 ) فصل : وإن وصى له برقبته ، فهو تدبير ، يعتق إن حمله الثلث . وبهذا قال مالك ، وأصحاب الرأي . وقال أبو ثور : الوصية باطلة ; لأنه لا يملك رقبته . ولنا ، أنه أوصى له بمن لا يملكه على الدوام ، فصح ، كما لو وصى بأبيه ، ولأن معنى الوصية له برقبته عتقه ، لعلمه بأنه لا يملك رقبته ، فصارت الوصية به كناية عن إعتاقه بعد موته . وإن أوصى له ببعض رقبته ، فهو تدبير لذلك الجزء ، وهل يعتق جميعه إذا حمله الثلث ؟ على روايتين ، ذكرهما الخرقي فيما إذا دبر بعض عبده وهو مالك لكله . وقال أصحاب الرأي : يسعى في قيمة باقيه . وهذا شيء يأتي في باب العتق ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية