الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2028 - (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة حال له ضراط حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس) (م) عن أبي هريرة. (صح)

التالي السابق


(إن الشيطان) في رواية مسلم إن إبليس وهو نص صريح في أن المراد بالشيطان هنا إبليس ولا اتجاه لترديد أمير المؤمنين في الحديث: الحافظ ابن حجر بقوله المراد بالشيطان إبليس أو جنس الشيطان لأنه الشيطان الأكبر كما قاله الحافظ العراقي (إذا سمع النداء بالصلاة) أي الأذان لها (حال) قال في المصباح حال حولا من باب قال إذا مضى [ ص: 353 ] ومنه قيل للعام ولو لم يمض حول لأنه سيمضي وقال الزمخشري رحمه الله: حال عن مكانه يحول (له) أي حالة كونه له وفي رواية حوله بحاء مهملة أي ذهب هاربا كذا في نسخة المؤلف وفي نسخ أحال بالهمزة (ضراط) حقيقي يشغل نفسه به عن سماع الأذان والجملة حال وإن لم تكن بواو اكتفاء بالضمير كما في اهبطوا بعضكم لبعض عدو (حتى) أي كي (لا يسمع صوته) أي صوت المؤذن بالتأذين لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام والقول بأن المراد حتى لا يشهد للمؤذن بما سمعه إذا استشهد يوم القيامة اعترضوه (فإذا سكت) أي فرغ المؤذن من الأذان (رجع) الشيطان (فوسوس) للمصلين والوسوسة كلام خفي يلقيه في القلب وإنما يجيء عند الصلاة مع ما فيها من القرآن لأن غالبها سر ومناجاة فله تطرق على إفسادها على فاعلها وإفساد خضوعه بخلاف الأذان فإنه يرى اتفاق كل المؤذنين على الإعلام وعموم الرحمة لهم مع يأسه من رد ما أعلنوا به عليهم ويذكر عصيانه ومخالفته فلا يملك الحدث (فإذا سمع الإقامة) للصلاة (ذهب) أي وله ضراط وتركه اكتفاء بذكره فيما قبله فيشغل نفسه به لثقل الأذان والإقامة عليه (حتى لا) أي لئلا (يسمع صوته فإذا سكت) المقيم (رجع) الشيطان (فوسوس) إليهم وفيه فضل الأذان والإقامة إذ لولاه لما تأذى منهما الشيطان وحقارة الشيطان وهوائه على أهل الإيمان ولو ناصبوه واستعدوا له لأعيوه تعبا وأبعدوه هربا لأنه إذا حصل له من الأذان ما ذكر وهو بلا قصد له فكيف بمن قصده واستعد له بيد أن الأكابر لا يبالون به لعدم السلطان له عليهم فهو يروض نفسه على ضرهم فلا يقدر ويضر نفسه كالفراش بأمن النار فيلم بها فتحرقه قال أبو زرعة والظاهر أن هربه إنما يكون من أذان شرعي مستجمع للشروط واقع بمحله أريد به الإعلام بالصلاة فلا أثر لمجرد صورته وقال الغزالي : قوت الشيطان الشهوات فمن كان قلبه خاليا عنها انزجر عنه بمجرد كرم الله كما لو وقف عليك كلب جائع وليس عندك ما يؤكل فبمجرد أن تقول له اخسأ اندفع وإن كان عندك ذلك هجم ولم يندفع بمجرد الكلام فالشهوة إذا غلبت على القلب تدفع حقيقة الذكر إلى حواشي القلب ولم يتمكن من سوء يداه فيستقر الشيطان فيه والقلوب الخالية من الهوى والشهوات يطرقها الشيطان لا للشهوات بل لخلوها بالغفلة عن الذكر فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان وإن كنت تقول الحديث ورد مطلقا بأن الذكر والصلاة يطرد الشيطان ولم تفهم أن أكثر عمومات الشرع مخصوصة بشروط يعرفها علماء الدين فانظر لنفسك فليس الخبر كالمعاينة وتأمل أن منتهى ذكرك صلاتك فراقب قلبك وانظر كيف يجاذبه الشيطان إلى الأسواق وحساب المعاملين وكيف يمر بك في أودية الدنيا ومهالكها حتى إنك لا تتذكر ما نسيت من فضول الدنيا إلا في صلاتك ولا يزدحم الشيطان على قلبك إلا فيها والصلاة محك القلوب وكما أن الله تعالى قال ادعوني أستجب لكم وأنت تدعو فلا يستجيب فكذا تذكر الله ولا يهرب الشيطان عنك لفقد الشروط في الذكر والدعاء

(م) عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا.




الخدمات العلمية