الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159) فالعبد يحتاج إلى الاستعانة بالله والتوكل عليه في تحصيل العزم، وفي العمل بمقتضى العزم بعد حصول العزم، قال الله: فإذا عزمت فتوكل على الله [ ص: 221 ] إن الله يحب المتوكلين

                                                                                                                                                                                              والرشد: هو طاعة الله ورسوله، قال الله تعالى: ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون (7) . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى" . والرشد ضد الغي، قال تعالى: قد تبين الرشد من الغي فمن لم يكن رشيدا فهو إما غاو وإما ضال، كما قال تعالى: ما ضل صاحبكم وما غوى فالغاوي: من تعمد خلاف الحق، والضال: من لم يتعمد .

                                                                                                                                                                                              والعزم نوعان: أحدهما: عزم المريد على الدخول في الطريق، وهو من البدايات . والثاني: العزم على الاستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها، وعلى الانتقال من حال كامل إلى حال أكمل منه، وهو من النهايات، ولهذا سمى الله تعالى خواص الرسل وهم أولو العزم، وهم خمسة، وهم أفضل الرسل، فالعزم الأول يحصل للعبد الدخول في كل خير والتباعد من كل شر إذ به يحصل للكافر الخروج من الكفر والدخول في الإسلام، وبه يحصل للعاصي الخروج من المعصية والدخول في الطاعة، فإذا كانت العزيمة صادقة . وصمم عليها صاحبها، وحمل على هوى نفسه وعلى الشيطان حملة صادقة ودخل فيما أمر به من الطاعات; فقد فاز . وعون الله للعبد على قدر قوة عزيمته وضعفها، فمن صمم على إرادة [ ص: 222 ] الخير أعانه وثبته; كما قيل:


                                                                                                                                                                                              على قدر أهل العزم تأتى العزائم . وتأتي على قدر الكرام المكارم



                                                                                                                                                                                              قال أبو حازم : إذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح . يشير إلى ما يفتح عليه بتيسير الإنابة والطاعة ومقامات العارفين . سئل بعض السلف: متى ترتحل الدنيا من القلب؟ قال: إذا وقعت العزيمة، ترحلت الدنيا من القلب ودرج القلب في ملكوت السماء، وإذا لم تقع العزيمة اضطرب القلب ورجع إلى الدنيا، من صدق العزيمة يئس منه الشيطان، ومتى كان العبد مترددا طمع فيه الشيطان وسوفه ومناه، يا هذا، كلما رآك الشيطان قد خرجت من مجلس الذكر كما دخلت، وأنت غير عازم على الرشد فرح بك إبليس، وقال: فديت من لا يفلح .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية