الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا ( 42 ) استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ( 43 ) )

يقول - تعالى ذكره - : وأقسم هؤلاء المشركون بالله جهد أيمانهم ، يقول : أشد الأيمان فبالغوا فيها ، لئن جاءهم من الله منذر ينذرهم بأس الله ( ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) يقول : ليكونن أسلك لطريق الحق وأشد قبولا لما يأتيهم به النذير من عند الله ، من إحدى الأمم التي خلت من قبلهم ( فلما جاءهم نذير ) [ ص: 483 ] يعني بالنذير محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : فلما جاءهم محمد ينذرهم عقاب الله على كفرهم .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فلما جاءهم نذير ) وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله ( ما زادهم إلا نفورا ) يقول : ما زادهم مجيء النذير من الإيمان بالله واتباع الحق وسلوك هدى الطريق ، إلا نفورا وهربا .

وقوله ( استكبارا في الأرض ) يقول : نفروا استكبارا في الأرض وخدعة سيئة ، وذلك أنهم صدوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به . والمكر هاهنا : هو الشرك .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومكر السيئ ) وهو الشرك . وأضيف المكر إلى السيئ ، والسيئ من نعت المكر كما قيل ( إن هذا لهو حق اليقين ) وقيل : إن ذلك في قراءة عبد الله ( ومكرا سيئا ) ، وفي ذلك تحقيق القول الذي قلناه من أن السيئ في المعنى من نعت المكر . وقرأ ذلك قراء الأمصار غير الأعمش ، وحمزة ، بهمزة محركة بالخفض . وقرأ ذلك الأعمش ، وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالا منهما بأن الحركات لما كثرت في ذلك ثقل ، فسكنا الهمزة ، كما قال الشاعر :


إذا اعوججن قلت صاحب قوم



فسكن الباء لكثرة الحركات .

[ ص: 484 ] والصواب من القراءة ما عليه قراء الأمصار من تحريك الهمزة فيه إلى الخفض وغير جائز في القرآن أن يقرأ بكل ما جاز في العربية ; لأن القراءة إنما هي ما قرأت به الأئمة الماضية ، وجاء به السلف على النحو الذي أخذوا عمن قبلهم .

وقوله ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) يقول : ولا ينزل المكر السيئ إلا بأهله ، يعني بالذين يمكرونه ، وإنما عنى أنه لا يحل مكروه ذلك المكر الذي مكره هؤلاء المشركون إلا بهم .

وقال قتادة في ذلك ما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) وهو الشرك .

وقوله ( فهل ينظرون إلا سنة الأولين ) يقول - تعالى ذكره - : فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليم العقاب ، يقول : فهل ينتظر هؤلاء إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من أشكالهم من الأمم .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فهل ينظرون إلا سنة الأولين ) أي : عقوبة الأولين ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ) يقول : فلن تجد يا محمد لسنة الله تغييرا .

وقوله ( ولن تجد لسنة الله تحويلا ) يقول : ولن تجد لسنة الله في خلقه تبديلا يقول : لن يغير ذلك ولا يبدله ; لأنه لا مرد لقضائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية