الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ككراء السفن )

                                                                                                                            ش : تصوره واضح ( فرع : ) قال في أوائل رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل قال مالك في النفر يتكارون السفينة فيحملون فيها طعاما لهم ، فإذا بلغوا ، قال أول من يمر : بمنزله منهم أنا آخذ طعامي فأخذ طعامه ، ثم إن السفينة غرقت قال : ليس عليه تبعة لأصحابه أذنوا في ذلك أم لم يأذنوا ، وليس عليه أن يبلغ معهم بطعامه ، ثم يرجع إلا أن يكتالوا فينقص الكيل ، فيكون عليه بقدر طعامه ابن رشد المعنى في هذه المسألة أنهم اكتروا السفينة على أن يحمل فيها الطعام إلى منازلهم فوجب كلما مر أحد منهم بمنزله أن يأخذ طعامه ; لأنه على ذلك حمله ، فإن نقص الطعام بعد ذلك كان عليه من النقصان بحسب طعامه يرجع به عليه ; لأنه حمله معهم على سبيل الشركة ، وكذا لو وجد أسفل القمح قد اسود لموج ركبه إلا أن يعلم أن فساده إنما كان بعد أخذ طعامه فلا يكون عليه في ذلك تبعة كما لو غرق المركب بعد أخذه طعامه فذهب بما فيه ، وأما لو حملوا الطعام في سفينة إلى بلد واحد لتجارة ، أو لغير تجارة فخلطوه ، أو اختلط ، لم يكن لأحد منهم أن يأخذ طعامه بالطريق إلا أن يرضى أصحابه مخافة أن يكون أسفل طعامه فاسدا ، أو يفسد بعد ذلك ، أو ينقص في الكيل ، فإن أخذ طعامه من الطريق برضا أصحابه لم يكن لهم عليه تباعة إن ألفوه فاسدا ، أو نقص كيله على ما قاله في رسم الأقضية الثاني عن أشهب من كتاب الشركة ، وما يأتي له بعد هذا في رسم حلف ، وفي رسم أخذ يشرب خمرا ، ومن الناس من ذهب إلى أن رواية أشهب معارضة لهذه الرواية والصحيح أن لا تعارض بينهما ، ولا اختلاف على ما بيناه انتهى .

                                                                                                                            ، وقال في رسم حلف من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور وسئل عن رجل حمل طعاما من الريف في سفينة فمر بأخ له في قرية أخرى فقال : أفي سفينتك فضل تحمل لي مائة إردب ؟ قال : نعم ، وقد كان الأول حمل فيها خمسمائة إردب فألقى طعامه من فوق طعام صاحبه فانخرق المركب فدخل الماء في أسفله فأصاب منه نحو خمسين إردبا ، وهو يعلم أنه لم يصل إلى طعام الرجل الذي كان حمله فوق طعامه الأول قال : أراهما في ذلك شريكين قلت : إنه لم يصل إلى الأول ، قال : قد حملاه على وجه الشركة وخلط ابن رشد مضي القول في [ ص: 454 ] معنى هذه المسألة ، وقال في رسم أخذ يشرب خمرا من السماع المذكور قال مالك في الطعام الذي في السفينة الذي فسد بعضه ، ولم يفسد بعضه إن كان كل واحد طعامه محجوز على حدته قد حازه بشيء جعله حاجزا فيما بين القمح فأرى أن من سلم منهم فله ما سلم ومن أصيب منه بما أصابه ، أو اسود لموج ركبه فمصيبته من صاحبه ، وإن كانت تلك التي حجزوها قد انخرق بعضها إلى بعض حتى اختلط الطعام كانوا شركاء جميعا فيما فسد لهم وضاع يأخذ كل واحد منهم بحصة طعامه ابن رشد قوله : إن الطعام إذا انخرق ما حجز به بين طعام كل واحد فاختلط أنه يحكم بينهم فيما فسد منه بحكم الشركة فهو صحيح ; إذ لا فرق بين أن يحملوه على الشركة أو يختلط بغير اختيارهم فيما يجب من أن يكونوا شركاء فيه بحسب ما لكل واحد منهم انتهى .

                                                                                                                            وفي رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من الشركة ، وسئل عن القوم يحملون الطعام من القمح في السفينة الواحدة يختلط بعضه ببعض ، ثم يريد بعضهم البيع بالطريق ، فقال : لا أرى له ذلك إلا أن يرضى أصحابه أن يعطوه لأني أخاف أن يكون أسفل الطعام فاسدا ، أو يمطروا بعد ذلك فيفسد القمح فلا أرى لواحد منهم أن يأخذ حتى يبلغوا جدة فيقتسمونه الفاسد والجيد إلا أن يرضى أصحابه أن يسلموا له حقه فأرى ذلك ، ولا أرى له عليهم تباعة إذا نزلوا فوجدوا القمح فاسدا ( قلت : ) المعنى في هذه المسألة أنهم حملوا الطعام في السفينة على أن يمروا لبلد واحد لتجارة ، أو لغير تجارة فلذلك لم ير لواحد منهم أن يأخذ طعامه إذا كان قد اختلط بمنزلة أن لو كانوا خلطوه ، وحملوه على الشركة ; لأن اختلاطه يوجب اشتراكهم فيه ، وذلك بخلاف ما لو حملوه على أن يمروا به على منازلهم كان من حق من يمر منهم بمنزله أولا أن يأخذ طعامه فيه ، ولا يكون لأصحابه عليه تبعة إلا أن ينقص الطعام ، أو يكون قد أصابته آفة على ما قاله في أول رسم من سماع ابن القاسم من كراء الرواحل حسبما بيناه في ذلك ، فليس هذا بمخالف لها ، ومن الناس من حملها على الخلاف ، وليس ذلك عندي بصحيح ، والله أعلم .

                                                                                                                            انتهى .

                                                                                                                            وتقدم في باب القسمة عند قول المصنف : لا شهادته عن البرزلي أن السفن إذا اختلط فيها الطعام المشحون أنه يقبل كل واحد فيما ذكر بعد يمينه إذا ادعى ما يشبه ، وقال في رسم حلف أن لا يبيع سلعة من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات : وسئل عن الرجل يبعث معه قوم ببضائع لهم في قمح فيجمع ذهبهم فيشتري لهم دفعة واحدة ، ثم يصاب ذلك الطعام قال : لا يشبه هذا الذي ذكرت من الدقيق ، وليس بهذا بأس ، ولا ضمان عليه ( قلت : ) هذا كما قال ، ومثله لابن القاسم من كتاب ابن المواز قال ، وكذلك كل ما ينقسم بكيل ، أو وزن يشتريه لهم مشاعا ، ثم يقسمه ، وأما ما لا يقسم إلا بالقيمة فهذا يضمن قال محمد : بخلاف العامل في القراض يخلط أموال المقارضين فيما يقسم بالقيمة ; لأنه إليه البيع ، وليس ذلك للأول انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية