الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( و ) الشرط الثاني من شروط السلم ما اشتمل على نفي خمسة أشياء ( أن لا يكونا ) أي رأس المال والمسلم فيه ( طعامين ) لا نحو سمن في بر ( ولا نقدين ) لا ذهب في فضة أو عكسه أو ذهب في ذهب أو فضة في فضة ( ولا شيئا في أكثر منه ) كثوب في ثوبين ( أو ) في ( أجود ) منه من جنسه لما فيه من سلف بزيادة ( كالعكس ) وهو سلم شيء في أقل منه أو أردأ لما فيه من ضمان بجعل واستثني من قوله ولا شيئا في أكثر منه إلخ قوله ( إلا أن تختلف المنفعة ) في أفراد الجنس الواحد فيصير كالجنسين فيسلم البعض منه في أكثر أو أجود ( كفارة الحمر ) جمع حمار أي سريع السير منها ( في ) الحمر ( الأعرابية ) المتعددة [ ص: 201 ] وهي الضعيفة السير ( و ) كسلم الواحد من ( سابق الخيل ) في أكثر منه غير سابق وعكسه ( لا ) فرس ( هملاج ) أي سريع المشي منها إذ لا تصيره سرعة مشيه مغايرا لأبناء جنسه حتى يجوز سلم الواحد منها في أكثر مما ليس له السرعة ولا يلزم منها أن يكون سابقا ( إلا ) أن يكون هذا الهملاج ( كبرذون ) بكسر الباء الموحدة وفتح الذال المعجمة وهو الفرس الذي أبواه أعجميان وهو العريض الخلقة الغليظ لا سبق له بل يراد لما يراد له البغال من الحمل والسير فيسلم الهملاج منها في أكثر من غيره أي من الهمالجة التي لم تتصف بهاتين الصفتين بل بسرعة السير خاصة ( و ) كسلم ( جمل ) أراد به ما يشمل الذكر والأنثى ( كثير الحمل ) في أكثر مما ليس كذلك لتباين المنفعة بذلك ( وصحح ) تباين المنفعة في الإبل بما تقدم ( وبسبقه ) في اليسير أي كل من الوصفين كاف والمقصود بالصحيح الثاني إذ لا كلام في الأول [ ص: 202 ] ( وبقوة البقرة ) على العمل والتاء فيه للوحدة لا للتأنيث فلذا قال إذا كانت البقرة ذكرا بل ( ولو أنثى وكثرة لبن الشاة ) وكذا الجواميس والبقر على الأوجه ( وظاهرها عموم الضأن ) لدخولها في الشاة في قولها إلا شاة غزيرة اللبن موصوفة بالكرم فلا بأس أن تسلم في حواشي الغنم ( وصحح خلافه ) لأن الضأن مقصودة للصوف لا للبن ( و ) ك ( صغيرين ) أي وكسلم صغيرين من كل الأجناس فيجوز ( في كبير وعكسه ) من جنسهما ( أو صغير في كبير وعكسه إن لم يؤد ) ما ذكر بعد الكاف ( إلى المزابنة ) بأن يطول الأجل المضروب إلى أن يصير فيه الصغير كبيرا أو يلد فيه الكبير صغيرا لأدائه في الأول إلى ضمان بجعل وفي الثاني وهو العكس فيهما للجهالة فكأنه قال له خذ هذين الكبيرين أو هذا الكبير في صغيرين أو صغير يخرج منه بعد مدة كذا ولا يدري أيخرج شيء منه أو لا ( وتؤولت على خلافه ) أي خلاف جواز سلم صغير في كبير وعكسه وإن لم يؤد إلى المزابنة وأما صغيران في كبير وعكسه فجائز بشرطه ولم تتأول على خلافه ( كالآدمي والغنم ) فلا يسلم صغير كل في كبيره ولا عكسه اتحد عدد كل أو اختلف لعدم اعتبار اختلافهما بالصغر والكبر وقال الباجي القياس عندي أن صغير الرقيق جنس مخالف أي لكبيره لاختلاف المنافع ابن عبد السلام وهو الصحيح عندي انتهى قال ابن عرفة وحد الكبير في الرقيق إن فرقنا بين صغيره [ ص: 203 ] وكبيره ببلوغ سن التكسب بالعمل والتجر وهو عندي بلوغ خمس عشرة سنة أو الاحتلام انتهى ثم عطف على كفارة قوله ( وكجذع طويل غليظ في ) جذع أو جذوع ( غيره ) قصار رقاق فيجوز وظاهره أنه لا بد من الوصفين ولا يكفي أحدهما خلافا لابن الحاجب واعترضت هذه المسألة بأن الكبير قد يصنع منه صغار فيؤدي إلى سلم الشيء فيما يخرج منه وهو مزابنة وأجيب بأن المراد بالجذع المخلوق لا المنجور المنحوت فإنه يسمى جائزة لا جذعا فالكبير لا يخرج منه جذوع بل جوائز وبأن الكلام في كبير لا يخرج منه الصغير إلا بفساد لا يقصده العقلاء وبأن المراد بالكبير ما ليس من نوع الصغير كنخل في صنوبر وهذا الأخير مبني على أن الخشب أجناس وهو الراجح ( وكسيف قاطع ) جيد الجوهرية فيجوز ( في سيفين دونه ) فيهما معا لا في أحدهما فقط خلافا لما يوهمه المصنف ( وكالجنسين ولو تقاربت المنفعة ) بينهما يجوز سلم أحدهما في الآخر ( كرقيق ) ثياب ( القطن و ) رقيق ثياب ( الكتان ) فأولى غليظهما أو غليظ أحدهما في رقيق الآخر ( لا جمل ) مثلا أو عبد أو ثوب ( في جملين ) أي في متعدد ( مثله ) بالجر صفة لجملين ( عجل أحدهما ) وأخر الآخر لأجل السلم فلا يجوز على المشهور لأن المؤجل هو العوض والمعجل زيادة فهو سلف جر نفعا [ ص: 204 ] وأولى إذا أجلا معا فإن عجلا معا فبيع جائز فإن كانا معا أجود أو أردأ بأسبقية أو حمل جاز مطلقا عجلا أو أجلا أو أحدهما ( وكطير علم ) صنعة شرعية فيسلم الواحد في الواحد أو في الأكثر غير المعلم وليس كمسألة سلم فارة الحمر والبقرة في غيره المشترط فيها التعدد كما مر

التالي السابق


( قوله وأن لا يكونا طعامين ) فلا يجوز أن تقول لآخر أسلمك إردب قمح في إردب قمح أو فول ولا يجوز أسلمك دينارا في دينار فإن وقع بلفظ القرض أو السلف جاز واعلم أن الفلوس الجدد هنا كالعين فلا يجوز سلم بعضها في بعض وإنما امتنع أن يكونا طعامين أو نقدين لأدائه لربا الفضل والنساء عند تحقق الزيادة أو لأدائه لربا النساء عند تماثل رأس المال للمسلم فيه فقوله وأن لا يكونا طعامين ولا نقدين أي سواء تساوى رأس المال والمسلم فيه أو زاد أحدهما على الآخر وأما قوله ولا في أكثر منه أو أجود هذا في غير الطعامين والنقدين ا هـ بن ومفهوم قوله ولا في أكثر منه أو أجود جواز سلم الشيء في مثله من غير النقدين والطعامين كقنطار من الكتان أبيض في مثله كما سيقول المصنف والشيء في مثله قرض ( قوله ولا شيئا ) أي وأن لا يكون رأس المال شيئا أسلم في أكثر منه من جنسه ( قوله كثوب في ثوبين ) أي وكسلم قنطار كتانا في قنطارين وكإردب جبس في إردبين ( قوله أو في أجود منه من جنسه ) كثوب رديء في جيد وكقنطار كتانا أبيض في قنطار من كتان أسود لأن الأبيض أجود ( قوله لما فيه من ضمان بجعل ) أي من تهمة ضمان بجعل فإذا أسلمت ثوبين في ثوب فكأن المسلم إليه ضمن للمسلم ثوبا منهما للأجل وأخذ الثوب الآخر في نظير ضمانه وإنما اعتبروها هنا وألغوها في بيوع الآجال لأن تعدد العقد هناك أضعفها ( قوله إلا أن تختلف المنفعة ) اعلم أن المسألة ذات أوجه أربعة لأن رأس المال والمسلم فيه إما أن يختلفا جنسا ومنفعة معا ولا إشكال في الجواز كسلم العين في الطعام والطعام في الحيوان ، وإما أن يتفقا معا ولا إشكال في المنع إلا أن يسلم الثمن في مثله فيكون قرضا ، وإما أن يتحد الجنس وتختلف المنفعة وهو المراد هنا ، وإما أن تتحد المنفعة ويختلف الجنس كالبغال والبراذين من الخيل وفيه قولان فمن منع نظر إلى أن المقصود من الأعيان منافعها ومن أجاز نظر إلى اختلاف الجنس وهو الراجح كما يأتي في قول المصنف ولو تقاربت المنفعة انظر بن ( قوله المتعددة ) أي فلا بد من سلم الحمار السريع المشي في متعدد غير سريع [ ص: 201 ] أو العكس وأما سلم الواحد في الواحد فلا يجوز لقول المصنف أو أجود إلا أن يختلفا بالصغر والكبر وإلا جاز إن عجل الصغير كما يأتي كذا في خش وعبق وقال بن تعبير المصنف بالأعرابية المفيد للتعدد تبع فيه لفظ المدونة وليس المراد اشتراط ذلك كما توهم بدليل أن المدونة عبرت أيضا بالإفراد فقالت كاختلاف الحمار الفارة النجب بالحمار الأعرابي فيجوز ا هـ وفي المتيطية ويجوز أن يسلم حمار يراد للحمل في آخر يراد للركوب ا هـ وذكر بن قبل هذا الكلام أن الذي يفيده كلام اللخمي أنه لا يشترط اختلاف العدد إلا مع ضعف اختلاف المنفعة أما إذا قوي اختلاف المنفعة فيجوز السلم ولو اتحد العدد وقبله ابن عرفة وابن غازي في تكميل التقييد واختاره شيخنا قائلا إن هذا هو الذي يقتضيه قولهم إن اختلاف المنافع يصير الجنس كالجنسين وما قيل هنا يقال فيما يأتي بعد ( قوله وهي الضعيفة السير ) أشار إلى أن المراد بالأعرابية ضعيفة السير سواء كانت منسوبة للأعراب أي سكان البادية أو كانت مصرية لا خصوص المنسوبة للأعراب وإلا لاقتضى أنه لا يجوز سلم حمار سريع السير في متعدد من المصرية ضعيف غير سريع كحمار الجباسة والترابين وليس كذلك بل هو جائز على المعتمد إذ المدار على الاختلاف في المنفعة ( قوله سابق الخيل ) أي وهو الذي يسبق غيره في حال الرماحة به واعلم أن الخيل إما أعرابية وهي ما كان أبواها من الخيل وإما أعجمية وهي البرذونة وهي ما كان أبوها من الخيل وأمها من البقر والعربية قسمان منها ما كان متخذا للرماحة والجري وحسنها بكثرة سبقها لغيرها ومنها ما هو غير متخذ للرماحة بل للهملجة أي للمشي درجا كالرهوان وحسنها بسرعة مشيها وكثرة درجها ، وأما الأعجمية فهي ما اتخذ للحمل وهي تارة تكون كثيرة الهملجة والدرج وتارة لا تكون كذلك أي لا درج ولا جري فيها فالهملجة يتصف بها كل من الأعرابية والبرذون إذا علمت هذا فيجوز سلم أحد النوعين الأعرابيين في الآخر الواحد في اثنين أو في واحد على ما مر ويجوز سلم كل واحد من النوعين في النوع الثالث الذي هو البرذون الواحد في اثنين وعكسه ويجوز سلم النوع الأول من الأعرابية وهي التي سبقها كثير في فرسين أعرابيين من نوعها ليس سبقهما كثيرا ، وأما النوع الثاني وهو الذي لا سبق له بل له درج فلا يجوز سلم الواحد في اثنين من نوعه إذا علمت هذا فقول المصنف وسابق الخيل أي يجوز سلمه في نوعه الواحد في اثنين وقوله لا هملاج الهملجة سرعة السير أي السير درجا فالهملاج هو الرهوان أي لا يجوز سلمه في نوعه الواحد في اثنين إلا أن ينضم للهملجة برذنة فيجوز وذلك كالبرذون المتصف بالهملجة فيجوز أن يسلم في اثنين عربيين اتصفا بالهملجة بل ويجوز أيضا سلم البرذون الهملاج في برذونين خاليين عن الهملجة كما هو المتبادر من كلام ابن حبيب ا هـ تقرير شيخنا العدوي .

( قوله أي سريع المشي ) أي عنده سرعة درج في المشي من غير رماحة وقوله منها حال أي حال كونه من الخيل ( قوله مما ليس له السرعة ) أي والحال أن فيه هملجة ( قوله ولا يلزم منها ) أي من الهملجة ( قوله أن يكون سابقا ) أي لغيره في الرماحة لما علمت أن الهملاج لا رماحة عنده ( قوله أبواه أعجميان ) لعل المراد أن أبواه منشؤهما بلاد العجم أي أن أبواه منسوبان لبلاد العجم بحسب الأصل وإلا فالبرذون ما تولد من الخيل والبقر قرره شيخنا ( قوله وجمل كثير الحمل ) أي أنه يجوز أن يسلم الجمل إذا كان يحمل كثيرا في واحد أو اثنين معدين للحمل لكن حملهما قليل وقوله وبسبقه أي يجوز سلم المعد للسبق كالهجين في المعد للسبق من جنسه الذي هو أقل سبقا ، وأما سلم المعد للحمل في المعد للركوب والسبق والعكس فهو جائز بالأولى وقوله وصحح وبسبقه أشار به لاختيار ابن عبد السلام اعتبار السبق واعلم أن الإبل صنفان صنف يراد [ ص: 202 ] للحمل وصنف يراد للركوب لا للحمل وكل صنف منهما صنفان جيد ورديء فيجوز أن يسلم ما يراد للحمل فيما يراد للركوب والسير عليه جيد أحدهما في جيد الآخر وفي رديئة والرديء في الجيد وكذلك في الرديء اتفق العدد أو اختلف وأما إذا كان كل من رأس المال والمسلم فيه مما يراد للحمل أو الركوب فلا يجوز أن يسلم الجيد في الرديء ولا عكسه ويجوز أن يسلم جيدا في رديئين فأكثر وعكسه ولا يجوز أن يسلم واحدا في واحد تقدم الجيد أو الرديء لأنه سلف جر نفعا إن تقدم الرديء وضمان بجعل إن تقدم الجيد انظر بن .

( قوله وبقوة البقرة ) أي فيجوز أن يسلم ثورا قويا على العمل في اثنين ضعيفين لا قوة لهما مثله على العمل وهذا عطف على المعنى أي إلا أن تختلف المنفعة بالفراهة وبقوة البقرة ( قوله ولو أنثى ) رد بلو على من قال أن المبتغى من الأنثى اللبن لا القوة وحينئذ فلا يجوز سلم واحدة في اثنين أقل قوة منها ( قوله وكثرة لبن الشاة ) أي فيجوز سلم شاة كثيرة اللبن في اثنتين ليس فيهما كثرة لبن وكذا يقال في الجاموس والبقر فظهر أن البقر يعتبر في اختلاف منافعها أمران خلافا لظاهر المصنف ( قوله وظاهرها عموم الضأن ) أي عموم الشاة للضأن لأن قولها إلا شاة غزيرة اللبن يقتضي أن المدار على غزارة اللبن ولا فرق بين معز وضأن ونص المدونة ولا يجوز أن يسلم ضأن الغنم في معزها ولا العكس إلا شاة غزيرة اللبن موصوفة بالكرم فلا بأس أن تسلم في حواشي الغنم فشمول لفظ شاة للضأن إنما هو من جهة العلة وهي غزارة اللبن لأن تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق وإلا فلفظ شاة لا عموم فيه بل مطلق وحينئذ فمراد المصنف بالعموم العموم اللغوي وهو الشمول لا الاصطلاحي وهو استغراق اللفظ الصالح له من غير حصر وذلك لأن العموم الاصطلاحي من عوارض الألفاظ العامة وشاة ليس منها وأما شمول اللفظ لشيء آخر فمنظور فيه للعلة كما هنا فإن شمول الشاة للضأن إنما هو من جهة العلة كما قلنا ( قوله وصحح خلافه ) أي وصحح ابن الحاجب خلاف ظاهرها من عموم الشاة للضأن فلا يجوز سلم النعجة في حواشي الغنم ولو كان لبنها غزيرا بخلاف المعزة الغزيرة اللبن فإنه يجوز سلمها في حواشي الغنم وذلك لأن اللبن في الضأن كالتابع لمنفعة الصوف ولأن لبنها غالبا أقل من لبن المعز وأما المعز فمنفعة شعرها يسيرة ولبنها كثير فهو المقصود منها قال اللقاني وما صححه ابن الحاجب هو المذهب وكتب بعضهم أن قول المصنف وظاهرها إلخ هو المعتمد وأن قوله وصحح ضعيف قاله شيخنا ( قوله من كل الأجناس ) أي إلا ما يخرجه بعد من الآدمي والغنم ( قوله فيجوز ) أي لأن اختلاف المنفعة صيرتهما كالجنسين فصار مبايعة خالية عن السلف بزيادة والضمان بجعل ( قوله إن لم يؤد ما ذكر بعد الكاف ) أشار الشارح بهذا إلى أن الشرط المذكور راجع للأربع صور قبله التي بعد الكاف المتفق عليه منها وهما الأوليان والمختلف فيه منها وهما الأخيرتان لا أنه راجع للأخيرتين فقط ( قوله إن لم يؤد إلى المزابنة ) أي فإن أدى لها منع وقوله بأن يطول إلخ تصوير للتأدية للمزابنة وفيه إشارة إلى أن المراد هنا بالمزابنة الضمان بجعل في الأول والجهالة في الثاني وليس المراد بها معناها المتقدم وهي بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنسه وإن كان يمكن أن تكون هنا من الأول أعني بيع مجهول بمجهول نظرا لجهل انتفاع المسلم والمسلم إليه برأس المال والمسلم فيه ( قوله إلى ضمان بجعل ) لأن المسلم كأنه قال للمسلم إليه اضمن لي هذا لأجل كذا فإن مات ففي ذمتك وإن سلم عاد إلي وكانت منفعته لك ، والثاني لك في ضمانك ( قوله فكأنه قال له خذ هذين الكبيرين ) الأولى حذفه والاقتصار على ما بعده إذ ليس في صورة مما سبق يسلم فيها كبيران لا في صغير ولا في كبير تأمل ( قوله وتؤولت على خلافه ) راجع لمسألة الانفراد [ ص: 203 ] أي سلم صغير في كبير وعكسه فهي التي فيها الخلاف فظاهر المدونة جوازه وعليه حملها ابن لبابة وابن محرز وغيرهما واختاره الباجي وقال ابن الحاجب إنه الأصح وتأول أبو محمد المدونة على عدم الجواز وأما سلم صغيرين في كبير وعكسه فهو جائز اتفاقا بشرطه وهو عدم طول الأجل جدا بحيث يؤدي للمزابنة والتأويل الثاني ضعيف والمعتمد الأول كما قال شيخنا العدوي .

( قوله في جذع أو جذوع ) أي فالمسلم فيه لا يشترط فيه التعدد ومثل ما للشارح لخش وشب قال شيخنا العدوي وظاهر المدونة أنه لا بد من تعدده والواجب الرجوع له لكن قد علمت مما مر عند فارة الحمر أن المسألة ذات طريقتين وهما هل يشترط تعدد المسلم فيه إذا أسلم بعض أفراد الجنس المختلفة المنفعة في بعض أو لا يشترط التعدد والشارح قد مشى فيما تقدم على اشتراط التعدد ومشى هنا على عدم اشتراطه ( قوله في غيره ) أي من جنسه وإلا فلا يشترط طول ولا غلظ وهذا على أن الخشب أجناس وهو الراجح ( قوله خلافا لابن الحاجب ) حيث اكتفى بالغلظ والحاصل أن ابن الحاجب يقول إن وجدا معا جاز وإن وجد الطول فقط منع وإن وجد الغلظ فقط جاز فالمدار في الجواز عنده على الغلظ والمعتمد كلام ابن الحاجب والفرق بين الغلظ والطول أن الغلظ لا يتأتى معه إخراج جذوع من الجذع إلا بمشقة بخلاف الطول فقط فإنه يمكن ذلك معه بسهولة كقطعه قطعا ا هـ عدوي ( قوله واعترضت هذه المسألة بأن الكبير ) أي وهو الطويل الغليظ المسلم ( قوله وأجيب إلخ ) حاصله أن مراد المصنف بالغير المسلم فيه جذوع مغايرة للطويل الغليظ في وصفيه وإنما تكون جذوعا إذا كانت خلقة ليس فيها نجر ولا نحت وإلا كانت جوائز لا جذوعا فعلى هذا إذا كان المسلم فيه جوائز منع السلم ( قوله ما ليس من نوع الصغير إلخ ) فيه شيء لأنه إذا كان الخشب أنواعا فلا يشترط الكبر ولا الصغر وقد تقدم أول الكلام اعتبار ذلك ( قوله وهو الراجح ) مقابله أن الخشب كله جنس فلا يجوز سلم بعضه في بعض ما لم تختلف منفعته كالألواح للأبواب والجوائز للسقف وهذا القول هو ظاهر المصنف كالمدونة ( قوله دونه فيهما ) أي دونه في القطع والجوهرية معا وإنما جاز لتباعد ما بينهما حينئذ ( قوله لا في أحدهما ) أي إن كان السيفان دونه في القطع فقط أو في الجوهرية فقط فلا يجوز لعدم التباعد ، فإن استويا معه في القطع والجوهرية منع اتفاقا لأنه سلم الشيء في أكثر منه من جنسه وظاهر قوله في سيفين منع سلم سيف قاطع جيد الجوهرية في سيف واحد دونه فيها وهو أحد قولين كما تقدم في فارة الحمر .

( قوله وكالجنسين ) ليس في كلامه ما يعطف هذا عليه إلا قوله كفارة الحمر لكن يبعده أن قوله كفارة الحمر مثال للجنس الواحد الذي اختلفت فيه المنفعة فلا يصح اندراج هذا فيه فلو حذف المصنف الواو من هنا واقتصر على الكاف كان أولى قال ابن عاشر وهذه المسألة والتي بعدها مقحمتان بين نظائر من نمط واحد ا هـ بن وقال شيخنا يصح عطف قوله وكالجنسين على معنى قوله إلا أن تختلف المنفعة وكأنه قال الجنس الواحد لا يسلم بعضه في بعض إلا أن تختلف المنفعة ، والجنسان يسلم أحدهما في الآخر ولو تقاربت المنفعة ( قوله ولو تقاربت المنفعة ) أي بخلاف متحد الجنس فلا بد فيه من اختلاف المنفعة كما مر كسلم غليظ ثياب كتان في رقيقها ورقيق غزل في غليظه وعكسه وأما سلم غليظ ثياب كتان في غليظ مثلها أو رقيقها في مثله فالمنع لعدم اختلاف المنفعة .

( قوله فأولى إلخ ) وجه الأولوية اختلافهما بالمنفعة اختلافا قويا زيادة على اختلاف الجنسية ( قوله مثله ) أي في الصفة أعني السبق والقوة على الحمل ( قوله صفة لجملين ) أي لأن مثل لا تتعرف بالإضافة لتوغلها في الإبهام فهي نكرة كموصوفها وشدة إبهامها وتوغلها فيه منع تثنيتها بدليل الزيدان أو الزيدون مثل عمرو ( قوله فلا يجوز على المشهور ) مقابله جواز ذلك وفي المواق ما يفيد أن القول بالجواز هو المعتمد لأنه رواية ابن القاسم عن مالك [ ص: 204 ] وذكر أن المقابل له القول بالكراهة فقط لا بالمنع كما هو ظاهر المصنف ونص ابن عرفة عن المازري ، وفي جمل في جملين مثله أحدهما نقد والآخر مؤجل روايتان بالجواز والكراهة فبالأولى أخذ ابن القاسم وبالثانية أخذ ابن عبد الحكم وسحنون ا هـ قال بن وقد حمل بعضهم الكراهة المروية عن مالك على المنع ورجحه عبد الحق وأبو إسحاق التونسي وحينئذ فلا اعتراض على المصنف ( قوله وأولى إذا أجلا معا ) وجه الأولوية أنه سواء تعلق الغرض بهذا أو بهذا فقد تحقق السلف مع النفع بخلاف مسألة المصنف فإنه لا يتحقق السلف إلا بالنظر لجهة واحدة ( قوله فإن كانا معا إلخ ) هذا مفهوم قول المصنف " مثله " وقوله أجود أي من الجمل المسلم واعلم أن ذلك المفهوم فيه تفصيل وحاصله أنه إذا دفع جملا أدنى في اثنين أجود منه جاز ذلك عجلا أو أجلا أو أجل أحدهما وكذا لو دفع جملا أجود في اثنين رديئين فهذه صور ست حكمها الجواز وقد ذكرها الشارح وأما لو دفع جملا في جملين أحدهما أعلى من رأس المال والثاني أدنى منه فإن عجلا معا أو عجل الأعلى فأجز وإن أجلا معا أو عجل الأدنى فامنع وإن دفع جملا في جملين أحدهما مساو للجمل المدفوع رأس مال والآخر أعلى منه فأجز إن عجلا أو عجل المساوي ، وإن أجلا أو أجل المساوي وعجل الأعلى فامنع لأنه لما أجل المساوي صار الغرض ملتفتا له فهو سلف جر نفعا ، وإن دفع جملا في جملين أحدهما أدنى والثاني مساو جاز إن عجلا أو عجل المساوي وأخر الأدنى ، وإن أجلا أو أجل المساوي وعجل الأدنى فامنع فالصور إحدى وعشرون صورة منطوقا ومفهوما وهذا التفصيل نقله ابن عرفة عن اللخمي ومقتضى كلام التوضيح أنه لا مفهوم لقول المصنف مثله بل المنع مطلقا إذا أجل أحدهما أو أجلا معا ونحوه قول ح لا مفهوم لقوله مثله وإنما هو نبه بالأخف على الأشد .

( قوله صنعة شرعية ) أي كالصيد به وتوصيل الكتب واحترز بالشرعية من غيرها أي كتعليمه الكلام والصياح فإنه لا يوجب جواز السلم في متعدد غير معلم ( قوله فيسلم الواحد ) أي المعلم في الواحد أو في الأكثر غير المعلم أي إذا كان من نوعه وأولى إذا كان من غير نوعه ، وأما سلم واحد بلا تعليم في أكثر منه من غير صنعة بلا تعليم فيجوز بناء على ما نقله ابن رشد في المقدمات من أن الطير أجناس لا على سماع عيسى من ابن القاسم وهو المعتمد أن الطير جنس وحينئذ فلا يسلم بعضه في بعض إلا إذا اختلفت منفعته بالتعليم ( قوله وليس كمسألة فارة الحمر إلخ ) أي لأن قوة الاختلاف بالتعليم كقوة الاختلاف بالصغر والكبر في غير الآدمي ثم ما ذكره من اشتراط التعدد في فارة الحمر قد علمت أنه أحد قولين والمعتمد عدم اشتراط التعدد فيها كما مر




الخدمات العلمية