الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : في إعراب ( الم ) وقد ذكر تمام ذلك في سورة البقرة مع الوجوه المنقولة في تفسيره ونزيد ههنا على ما ذكرناه أن الحروف لا إعراب لها؛ لأنها جارية مجرى الأصوات المنبهة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : في سبب نزول هذه الآيات وفيه أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنها نزلت في عمار بن ياسر ، وعياش بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام وكانوا يعذبون بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنها نزلت في أقوام بمكة هاجروا وتبعهم الكفار فاستشهد بعضهم ونجا الباقون .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أنها نزلت في مهجع بن عبد الله قتل يوم بدر .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : في التفسير ، قوله : ( أحسب الناس أن يتركوا ) يعني أظنوا أنهم يتركون بمجرد قولهم ( آمنا وهم لا يفتنون ) لا يبتلون بالفرائض البدنية والمالية ، واختلف أئمة النحو في قوله : ( أن يقولوا ) فقال بعضهم : أن يتركوا بأن يقولوا ، وقال بعضهم : أن يتركوا يقولون آمنا ، ومقتضى ظاهر هذا أنهم يمنعون من قولهم آمنا ، كما يفهم من قول القائل تظن أنك تترك أن تضرب زيدا أي تمنع من ذلك ، وهذا بعيد فإن الله لا يمنع أحدا من أن يقول آمنت ، ولكن مراد هذا المفسر هو أنهم لا يتركون يقولون آمنا من غير ابتلاء فيمنعون من هذا المجموع بإيجاب الفرائض عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : في الفوائد المعنوية ، وهي أن المقصود الأقصى من الخلق العبادة ، والمقصد الأعلى [ ص: 26 ] في العبادة حصول محبة الله كما ورد في الخبر " لا يزال العبد يتقرب إلي بالعبادة حتى أحبه " وكل من كان قلبه أشد امتلأ من محبة الله فهو أعظم درجة عند الله ، لكن للقلب ترجمان وهو اللسان ،وللسان مصدقات هي الأعضاء، ولهذه المصدقات مزكيات، فإذا قال الإنسان آمنت باللسان فقد ادعى محبة الله في الجنان، فلا بد له من شهود، فإذا استعمل الأركان في الإتيان بما عليه بنيان الإيمان حصل له على دعواه شهود مصدقات ، فإذا بذل في سبيل الله نفسه وماله ، وزكى بترك ما سواه أعماله ، زكى شهوده الذين صدقوه فيما قاله ، فيحرر في جرائد المحبين اسمه ، ويقرر في أقسام المقربين قسمه ، وإليه الإشارة بقوله : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا ) يعني : أظنوا أن تقبل منهم دعواهم بلا شهود ، وشهودهم بلا مزكين ، بل لا بد من ذلك جميعه ليكونوا من المحبين .

                                                                                                                                                                                                                                            فائدة ثانية : وهي أن أدنى درجات العبد أن يكون مسلما ، فإن ما دونه دركات الكفر ، فالإسلام أول درجة تحصل للعبد فإذا حصل له هذه المرتبة كتب اسمه وأثبت قسمه ، لكن المستخدمين عند الملوك على أقسام منهم من يكون ناهضا في شغله ماضيا في فعله ، فينقل من خدمة إلى خدمة أعلى منها مرتبة ، ومنهم من يكون كسلانا متخلفا فينقل من خدمة إلى خدمة أدنى منها ، ومنهم من يترك على شغله من غير تغيير، ومنهم من يقطع رسمه ويمحى من الجرائد اسمه ، فكذلك عباد الله قد يكون المسلم عابدا مقبلا على العبادة مقبولا للسعادة فينقل من مرتبة المؤمنين إلى درجة الموقنين ، وهي درجة المقربين، ومنهم من يكون قليل الطاعة مشتغلا بالخلاعة ، فينقل إلى مرتبة دونه وهي مرتبة العصاة ومنزلة القساة ، وقد يستصغر العيوب ويستكثر الذنوب فيخرج من العبادة محروما ويلحق بأهل العناد مرجوما ، ومنهم من يبقى في أول درجة الجنة وهم البله ، فقال الله بشارة للمطيع الناهض ( أحسب الناس أن يتركوا ) يعني أظنوا أنهم يتركون في أول المقامات لا ، بل ينقلون إلى أعلى الدرجات كما قال تعالى : ( والذين أوتوا العلم درجات ) (المجادلة : 11 ) ، ( فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ) (النساء : 95 ) . وقال بضده للكسلان ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا ) يعني إذا قال آمنت ويتخلف بالعصيان يترك ويرضى منه ، لا بل ينقل إلى مقام أدنى وهو مقام العاصي أو الكافر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية