الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 531 ] فصل في إسلام العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي أخي أم سلمة أم المؤمنين ، وهجرتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدوه في أثناء الطريق وهو ذاهب إلى فتح مكة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق . قال ابن هشام : لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله ، وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض ، فيما ذكره ابن شهاب الزهري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة ، والتمسا الدخول عليه ، فكلمته أم سلمة فيهما ، فقالت : [ ص: 532 ] يا رسول الله ، ابن عمك ، وابن عمتك ، وصهرك . قال : لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك عرضي ، وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي بمكة ما قال . قال : فلما خرج إليهما الخبر بذلك ومع أبي سفيان بني له ، فقال : والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا . فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم رق لهما ، ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما ، وأنشد أبو سفيان قوله في إسلامه ، واعتذر إليه مما كان مضى منه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد     لكالمدلج الحيران أظلم ليله
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فهذا أواني حين أهدى وأهتدي     هداني هاد غير نفسي ونالني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مع الله من طردت كل مطرد     أصد وأنأى جاهدا عن محمد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأدعى وإن لم أنتسب من محمد     هم ما هم من لم يقل بهواهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإن كان ذا رأي يلم ويفند     أريد لأرضيهم ولست بلائط
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مع القوم ما لم أهد في كل مقعد [ ص: 533 ]     فقل لثقيف لا أريد قتالها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقل لثقيف تلك غيري أوعدي     فما كنت في الجيش الذي نال عامرا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما كان عن جرا لساني ولا يدي     قبائل جاءت من بلاد بعيدة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نزائع جاءت من سهام وسردد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      . . . . . . . . . . . . . . . . . . ونالني     مع الله من طردت كل مطرد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في صدره وقال : أنت طردتني كل مطرد! .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية