الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( القسم الثالث : مشترك بينهما . وهو : الجذام ، والبرص ، والجنون ، سواء كان مطبقا ، أو يخنق في الأحيان ) . وقال في الواضح : جنون غالب . وقال في المغني : أو إغماء ، لا إغماء مريض لم يدم . قال الزركشي : فإن زال العقل بمرض فهو إغماء لا يثبت خيارا . [ ص: 195 ] فإن دام بعد المرض فهو جنون .

قوله ( واختلف أصحابنا في البخر ، واستطلاق البول ، والنجو ، والقروح السيالة في الفرج ، والناسور ، والباسور ، والخصي . وهو قطع الخصيتين ، والسل ، وهو سل البيضتين ، والوجء وهو رضهما . وفي كونه خنثى ، وفيما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله ، أو حدث به العيب بعد العقد . هل يثبت الخيار ؟ على وجهين ) . وأطلقهما في المحرر ، والشرح ، وشرح ابن منجا ، والفروع ، وتجريد العناية والحاوي الصغير ، والزركشي . وأطلقهما في الرعايتين ، فيما سوى الخصي والسل والوجء . وأطلقهما في البلغة في الجميع ، إلا فيما إذا حدث به عيب بعد العقد . وأطلق في المستوعب ، وشرح ابن رزين : الخلاف فيما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله . وأطلق في المذهب الخلاف في الخصي ، والسل ، والوجء . وإذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله . أحدهما : يثبت الخيار في ذلك كله . جزم به في الوجيز . وصححه في التصحيح ، واختاره ابن القيم . وصححه في النظم فيما إذا حدث العيب بعد العقد . واختاره ابن عبدوس في تذكرته في غير ما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله ، أو حدث العيب بعد العقد . واختاره أبو البقاء في الجميع . وزاد : وكل عيب يرد به المبيع . قال الزركشي : وهو غريب .

[ ص: 196 ] وقال أبو بكر ، وأبو حفص : يثبت الخيار فيما إذا كان أحدهما لا يستمسك بوله ولا نحوه . قال أبو الخطاب : فيخرج على ذلك من به باسور ، وناسور ، وقروح سيالة في الفرج . قال أبو حفص : والخصاء عيب يرد به . وقال أيضا أبو بكر ، وابن حامد : يثبت الخيار بالبخر . وقال في المستوعب : إذا وجد أحد الزوجين خنثى فله الخيار في أظهر الوجهين . واختار القاضي في تعليقه الجديد قاله الزركشي ، وصاحب المجرد . قاله الناظم والشريف ، وأبو الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، والمصنف ، والشارح ثبوت الخيار فيما إذا حدث العيب بعد العقد . وهو ظاهر كلام الخرقي فيه . وقدم في الرعايتين : " ثبوت الخيار بالخصي والسل والوجء . وصحح في المذهب ثبوت الخيار في البخر ، واستطلاق البول والنجو ، والبخر ، والناسور ، والباسور ، والقروح السيالة في الفرج ، والخنثى المشكل . وحدوث هذه العيوب بعد العقد . والوجه الثاني : لا يثبت الخيار بذلك كله . وهو مفهوم كلام الخرقي ; لأنه ذكر العيوب التي يثبت بها الخيار في فسخ النكاح . ولم يذكر شيئا من هذه . وقدم ابن رزين في شرحه غير ما تقدم إطلاق الخلاف فيه . وإليه ميل المصنف ، والشارح ، في غير حدوث العيب بعد العقد . وظاهر كلام أبي حفص : أنه لا يثبت الخيار بالبخر مع كونه عيبا . وذكر القاضي في المجرد : لو حدث به عيب بعد العقد لا يملك به الفسخ . قاله الزركشي . وهو مناقض لما تقدم عنه فيه . [ ص: 197 ] واختاره أيضا في التعليق القديم . اختاره أبو بكر في الخلاف ، وابن حامد ، وابن البنا . وصححه في البلغة . وقدمه في النظم .

تنبيهات :

أحدها : قوله في البخر " وهو نتن الفم " هو الصحيح . قال ابن منجا : هذا المذهب . واختاره أبو بكر . وقدمه في المغني ، والبلغة ، والشرح ، والرعايتين . وقال ابن حامد : نتن في الفرج يثور عند الوطء . قال المصنف ، والشارح : إن أراد أنه يسمى بخرا ويثبت به الخيار ، وإلا فلا معنى له ; لأن نتن الفم يمنع مقاربة صاحبه إلا على كره . وقال في الفروع : البخر يشملهما . وقال في المحرر ، والنظم ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وغيره : في كل منهما وجهان في ثبوت الخيار به . وجزم ابن عبدوس في تذكرته بثبوت الخيار بهما . وقال في المستوعب بعد أن ذكر الخلاف بين أبي بكر وابن حامد : وعلى قول أبي بكر ، وابن حامد : يثبت الخيار . وظاهر كلام الخرقي ، وأبي حفص : أنه عيب لا يثبت به خيار . الثاني : ظاهر قوله ( وفي كونه خنثى ) أنه سواء كان مشكلا وقلنا يجوز نكاحه أو غير مشكل . وهو ظاهر ما قدمه في الفروع . وقال : قاله جماعة . وجزم به في المستوعب ، وتذكرة ابن عبدوس . وقال في الفروع : وخصه في المغني بالمشكل . وفي الرعاية عكسه . قلت : ظاهر كلامه في المغني : يخالف ما قال . فإنه قال : وفي البخر ، وكون أحد الزوجين خنثى : وجهان . وأطلق الخنثى . [ ص: 198 ] وقال في الرعايتين : ويكون أحدهما خنثى غير مشكل أو مشكلا . وصح نكاحه في وجه . انتهى .

فما نقله المصنف عنهما مخالف لما هو موجود في كتابيهما . والله أعلم . وقال في المحرر ، والوجيز ، والحاوي الصغير " وكون أحدهما خنثى غير مشكل " فخصوا " الخنثى " بكونه غير مشكل ، وخصه في المذهب بكونه مشكلا . الثالث : كثير من الأصحاب حكوا الخلاف في ذلك كله وجهين . وحكى ابن عقيل في البخر روايتين . وحكى في الترغيب ، والبلغة فيما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله روايتين . الرابع : ظاهر كلام المصنف : أن ما عدا ما ذكره لا يثبت به خيار . وكذا قال الشارح ، والزركشي . وأطلق في الفروع في ثبوت الخيار بالاستحاضة ، والقرع في الرأس إذا كان له ريح منكرة الوجهين . وأطلقهما في الاستحاضة في الرعايتين ، والحاوي الصغير . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : يثبت بالاستحاضة الفسخ في أظهر الوجهين . قلت : الصواب ثبوت الخيار بذلك . وألحق ابن رجب بالقرع روائح الإبط المنكرة التي تثور عند الجماع . وأجرى في الموجز الخلاف في بول الكبير في الفراش . واختار ابن عقيل في الفصول : ثبوت الخيار بنضو الخلق ، كالرتق . واختار ابن حمدان ثبوت الخيار فيما إذا كان الذكر كبيرا والفرج صغيرا . وعن أبي البقاء العكبري : ثبوت الخيار بكل عيب يرد به المبيع ، كما تقدم قريبا . [ ص: 199 ] وقال أبو البقاء أيضا : لو ذهب ذاهب إلى أن الشيخوخة في أحدهما يفسخ بها : لم يبعد . وقال ابن القيم رحمه الله في الهدي فيمن به عيب ، كقطع يد أو رجل ، أو عمى ، أو خرس ، أو طرش ، وكل عيب يفر الزوج الآخر منه ، ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة : يوجب الخيار ، وأنه أولى من البيع . وإنما ينصرف الإطلاق إلى السلامة . فهو كالمشروط عرفا . انتهى .

قلت : وما هو ببعيد . وما في معناه إن لم يكن دخل في كلامه من عرف بالسرقة . ونقل ابن منصور : إذا كان عقيما : أعجب إلي أن يبين لها . ونقل حنبل : إذا كان به جنون أو وسواس ، أو تغير في عقل ، وكان يعبث ويؤذي : رأيت أن أفرق بينهما . ولا يقيم على هذا . الخامس : مفهوم قوله " وإن وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله " أنه إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به من غير جنسه : ثبت به الخيار . وهو صحيح . وهو المذهب . قال في البلغة ، والفروع : والأصح ثبوته إن تغايرت . ولم يستثن شيئا . ويستثنى من ذلك : إذا وجد المجبوب المرأة رتقاء . قال المصنف ، والشارح : فينبغي أن لا يثبت لهما الخيار . وقيل : حكمه كالمماثل . وقدمه في الفروع . قوله ( وإن علم بالعيب وقت العقد ، أو قال : قد رضيت به معيبا أو وجد منه دلالة على الرضى : من وطء ، أو تمكين . مع العلم بالعيب : فلا خيار له ) . بلا خلاف في العلم بالعيب ، أو الرضى به . وأما التمكين : فيأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية