الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبر بقلة إنصافهم إجمالا، بينه بقوله: تدعونني أي: توقعون دعائي إلى معبوداتكم لأكفر أي: لأجل أن أكفر بالله أي: أستر ما يجب إظهاره بسبب الذي أناله لأن له كل شيء وله مجامع القهر والعز والعظمة والكبر وأشرك أي: أوقع الشرك به أي: أجعل له شريكا. ولما كان كل ما عداه سبحانه ليس له من ذاته إلا العدم، أشار إلى حقارته بالتعبير بأداة ما لا يعقل فقال: [ ص: 77 ] ما ليس لي به علم أي: نوع من العلم بصلاحيته لشيء من الشركة، فهو دعاء إلى الكذب في شيء لا يحل الإقدام عليه إلا بالدليل القطعي الذي لا يحتمل نوعا من الشرك، وإذا لم يكن به علم لم يكن له عزة ولا مغفرة، فلم يكن له وجود لأن الملك لازم الإلهية وهو أشهر الأشياء، فما أدعى له أشهر الأشياء، فكان بحيث لا يعرف بوجه من الوجوه، كان عدما محضا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين أنهم دعوه إلى ما هو عدم فضلا عن أن يكون له نفع أو ضر في جملة فعلية إشارة إلى بطلان دعوتهم وعدم ثبوتها، بين لهم أنه دعاهم إلا إلى ما له الكمال كله، ولا نفع ولا ضر إلا بيده، فقال مشيرا بالجملة الاسمية إلى ثبوت دعوته وقوتها: وأنا أدعوكم أي: أوقع دعاءكم الآن وقبله وبعده. إلى العزيز أي: البالغ العزة الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء. ولما وصفه بهذا الوصف ترهيبا، صح قطعا وصفه ترغيبا بقوله: الغفار أي: الذي يتكرر له دائما محو الذنب عينا وأثرا ولا يقدر على ذلك غير من هو بصفة العزة، ومن صح وصفه بهذين الوصفين فهو الذي لا يجهل ما عليه، من صفات الكمال أحد، فالآية من الاحتباك: ذكر أولا عدم العلم دليلا على العلم ثانيا، وثانيا العزة والمغفرة دليلا على حذفهما أولا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية