الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم إنه تعالى قال : ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            إشارة إلى ما بينا أن كل بيت ففيه إما فائدة الاستظلال أو غير ذلك ، وبيته يضعف عن إفادة ذلك لأنه يخرب بأدنى شيء ولا يبقى منه عين ولا أثر فكذلك عملهم ( لو كانوا يعلمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم )

                                                                                                                                                                                                                                            قال الزمخشري : هذا زيادة توكيد على التمثيل حيث إنهم لا يدعون من دونه من شيء ، بمعنى ما يدعون ليس بشيء ، وهو عزيز حكيم فكيف يجوز للعاقل أن يترك القادر الحكيم ويشتغل بعبادة ما ليس بشيء أصلا ، وهذا يفهم منه أنه جعل ما نافية ، وهو صحيح ، والعلم يتعلق بالجملة كما يقول القائل : إني أعلم أن الله واحد حق ، يعني أعلم هذه الجملة ، وإن كنا نجعل ما خبرية فيكون معناه ما يدعون من شيء فالله يعلمه وهو العزيز الحكيم قادر على إعدامه وإهلاكهم ، لكنه حكيم يمهلهم ليكون الهلاك عن بينة والحياة عن بينة ، ومن ههنا يكون الخطاب مع أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى هذا لو قال قائل ما وجه تعلق هذه الآية بالتمثيل السابق ؟ فنقول لما قال : إن مثلهم كمثل العنكبوت ، فكان للكافر أن يقول أنا لا أعبد هذه الأوثان التي أتخذها وهي تحت تسخيري ، وإنما هي صورة كوكب أنا تحت تسخيره ، ومنه نفعي وضري وخيري وشري ووجودي ودوامي فله سجودي وإعظامي ، فقال الله تعالى : الله يعلم أن كل ما يعبدون من دون الله هو مثل بيت العنكبوت لأن الكوكب والملك وكل ما عدا الله لا ينفع ولا يضر إلا بإذن الله فعبادتكم للغائب كعبادتكم للحاضر ولا معبود [ ص: 62 ] إلا الله ولا إله سواه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس )

                                                                                                                                                                                                                                            قال الكافرون كيف يضرب خالق الأرض والسماوات الأمثال بالهوام والحشرات كالبعوض والذباب والعنكبوت ؟ فيقال الأمثال تضرب للناس إن لم تكونوا كالأنعام يحصل لكم منه إدراك ما يوجب نفرتكم مما أنتم فيه وذلك لأن التشبيه يؤثر في النفس تأثيرا مثل تأثير الدليل ، فإذا قال الحكيم لمن يغتاب إنك بالغيبة كأنك تأكل لحم ميت لأنك وقعت في هذا الرجل وهو غائب لا يفهم ما تقول ولا يسمع حتى يجيب كمن يقع في ميت يأكل منه وهو لا يعلم ما يفعله ولا يقدر على دفعه إن كان يعلمه فينفر طبعه منه كما ينفر إذا قال له إنه يوجب العذاب ويورث العقاب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية