الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون )

                                                                                                                                                                                                                                            لما أنذرهم الله بالخسران وهو أتم وجوه الإنذار ; لأن من خسر لا يحصل له في مقابلة قدر الخسران شيء من المنافع ، وإلا لما كان الخسران ذلك القدر بل دونه ، مثاله إذا خسر واحد من العشرة درهما لا ينبغي أن يكون حصل له في مقابلة الدرهم ما يساوي نصف درهم ، وإلا لا يكون الخسران درهما بل نصف درهم ، فإذن هم لما خسروا أعمارهم لا تحصل لهم منفعة تخفيف عذاب ، وإلا يكون ذلك القدر من العمر له منفعة [ ص: 72 ] فيكون للخاسر عذاب أليم ، فقوله : ( وأولئك هم الخاسرون ) تهديد عظيم ، فقالوا إن كان علينا عذاب فأتنا به ، إظهارا لقطعهم بعدم العذاب ، ثم إنه أجاب بأن العذاب لا يأتيكم بسؤالكم ولا يعجل باستعجالكم ; لأنه أجله الله لحكمة ورحمة فلكونه حكيما لا يكون متغيرا منقلبا ، ولكونه رحيما لا يكون غضوبا منزعجا ، ولولا ذلك الأجل المسمى الذي اقتضته حكمته وارتضته رحمته ، لما كان له رحمة وحكمة ، فيكون غضوبا منقلبا فيتأثر باستعجالكم ويتغير من سؤالكم فيعجل ، وليس كذلك فلا يأتيكم بالعذاب وأنتم تسألونه ، ولا يدفع عنكم العذاب حين تستعيذون به منه ، كما قال تعالى : ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ) [ الحج : 22 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وليأتينهم بغتة ) اختلف المفسرون فيه ، فقال بعضهم ليأتينهم العذاب بغتة ; لأن العذاب أقرب المذكورين ، ولأن مسئولهم كان العذاب ، فقال إنه ليأتينهم ، وقال بعضهم ليأتينهم بغتة أي الأجل ; لأن الآتي بغتة هو الأجل ، وأما العذاب بعد الأجل يكون معاينة ، وقد ذكرنا أن في كون العذاب أو الأجل آتيا بغتة حكمة ، وهي أنه لو كان وقته معلوما ، لكان كل أحد يتكل على بعده وعلمه بوقته فيفسق ويفجر معتمدا على التوبة قبل الموت .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وهم لا يشعرون ) يحتمل وجهين .

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : تأكيد معنى قوله بغتة كما يقول القائل أتيته على غفلة منه بحيث لم يدر ، فقوله بحيث لم يدر أكد معنى الغفلة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : هو كلام يفيد فائدة مستقلة ، وهي أن العذاب يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون هذا الأمر ، ويظنون أن العذاب لا يأتيهم أصلا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية