الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  964 52 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي عبد الله بن المثنى، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا! قال: فيسقون

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قول عمر : " إنا كنا نتوسل إليك بنبينا " إلى آخره. بيانه أنهم كانوا إذا استسقوا كانوا يستسقون بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم في حياته، وبعده استسقى عمر بمن معه بالعباس عم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فجعلوه كالإمام الذي يسأل فيه; لأنه كان أمس الناس بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأقربهم إليه رحما، فأراد عمر أن يصلها ليتصل بها إلى من كان يأمر بصلة الأرحام صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  وعن كعب الأحبار أن بني إسرائيل كانوا إذا قحطوا استسقوا بأهل بيت نبيهم، وزعم ابن قدامة أن ذلك كان عام الرمادة. وذكر ابن سعد ، وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثماني عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها، ودام تسعة أشهر. والرمادة، بفتح الراء، وتخفيف الميم سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب، فاغبرت الأرض من عدم المطر. وذكر سيف في كتاب الردة " عن أبي سلمة : كان أبو بكر الصديق إذا بعث جندا إلى أهل الردة خرج ليشيعهم، وخرج بالعباس معه. قال: يا عباس ، استنصر، وأنا أؤمن; فإني أرجو أن لا يخيب دعوتك; لمكانك من نبي الله صلى الله عليه وسلم " !.

                                                                                                                                                                                  وذكر الإمام أبو القاسم ابن عساكر في كتاب الاستسقاء من حديث إبراهيم بن محمد ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - أن العباس قال ذلك اليوم: اللهم إن عندك سحابا، وإن عندك ماء; فانشر السحاب، ثم أنزل منه الماء، ثم أنزله علينا، واشدد به الأصل، وأطل به الفرع، وأدر به الضرع! اللهم شفعنا إليك عمن لا منطق له من بهايمنا، وأنعامنا! اللهم اسقنا سقيا، وادعة بالغة، طبقا مجيبا! اللهم لا نرغب إلا إليك وحدك لا شريك لك! اللهم إنا نشكو إليك سغب كل ساغب، وعدم كل عادم، وجوع كل جائع، وعري كل عار، وخوف كل خائف! "

                                                                                                                                                                                  وفي حديث أبي صالح "، فلما صعد عمر ومعه العباس المنبر قال عمر رضي الله تعالى عنه: اللهم إنا توجهنا إليك بعم نبيك وصنو أبيه; فاسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين! ثم قال: قل يا أبا الفضل ، فقال العباس : اللهم لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من [ ص: 33 ] نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا بالتوبة; فاسقنا الغيث! قال: فأرخت السماء شآبيب مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس " .

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم خمسة:

                                                                                                                                                                                  الأول: الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني .

                                                                                                                                                                                  الثاني: محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري ، قاضي البصرة ، مات سنة خمس عشرة، ومائتين.

                                                                                                                                                                                  الثالث: أبوه عبد الله بن المثنى المذكور.

                                                                                                                                                                                  الرابع: ثمامة ، بضم الثاء المثلثة، وتخفيف الميم، تقدم في باب من أعاد الحديث.

                                                                                                                                                                                  الخامس: أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه رواية البخاري عن شيخه بوجهين: أحدهما التحديث بصيغة الجمع، والآخر بصيغة الإفراد. وفيه التحديث أيضا بصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول في موضعين. وفيه أن محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري أيضا يروي عنه أيضا كثيرا بلا واسطة، وهاهنا روى عنه بواسطة.

                                                                                                                                                                                  وفيه رواية الابن عن الأب، وهي رواية محمد بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن المثنى ، وينبغي أن يقرأ عبد الله بالرفع في قوله: " حدثنا أبي عبد الله "; لأنه يشتبه بالكنية، وهو عطف بيان، ومحل تيقظ. وفيه رواية الرجل عن عمه، وهي رواية عبد الله بن المثنى عن عمه ثمامة بن عبد الله . وفيه أن عبد الله بن المثنى من أفراده. وفيه رواية الرجل عن جده، وهي رواية ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس جده. وهذا الحديث تفرد به البخاري عن الستة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: " إذا قحطوا " ، بضم القاف، وكسر الحاء المهملة، أي أصابهم القحط.

                                                                                                                                                                                  قوله: " استسقى بالعباس " أي متوسلا به حيث قال: " اللهم إنا كنا " إلى آخره. وصفة ما دعا به العباس قد ذكرناها عن قريب.

                                                                                                                                                                                  وفيه من الفوائد استحباب الاستشفاع بأهل الخير، والصلاح، وأهل بيت النبوة ، وفيه فضل العباس وفضل عمر رضي الله تعالى عنهما لتواضعه للعباس ، ومعرفته بحقه. قال ابن بطال : وفيه أن الخروج إلى الاستسقاء ، والاجتماع لا يكون إلا بإذن الإمام لما في الخروج، والاجتماع من الآفات الداخلة على السلطان، وهذه سنن الأمم السالفة، قال تعالى: وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية