الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما قامت الأدلة وسطعت الحجج على أنه سبحانه رب العالمين الذين من جملتهم المخاطبون ، ولا حكم للطبيعة ولا غيرها ، أتبع ذلك آية أخرى في أنفسهم هي أظهر مما مضى ، فوصل به على طريق العلة لمشاركتهم له صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي في التي قبلها قوله تعالى : هو لا غيره الذي ولما كان الوصف بالتربية ماضيا ، عبر عنه به فقال : خلقكم من تراب أي: أصلكم وأكلكم التي تربى به أجسادكم ثم من نطفة من مني يمنى ثم من علقة مباعدا حالها لحال النطفة كما كان حال النطفة [مباعدا] لحال التراب ، ثم بعد أن جرت شئون أخرى يخرجكم أي: يجدد إخراجكم شيئا بعد شيء طفلا لا تملكون شيئا ولا تعلمون شيئا ، ثم يدرجكم في مدارج التربية صاعدين بالقوة في أوج الكمال طورا بعد طور وحالا بعد حال لتبلغوا أشدكم ثم يهبطكم بالضعف والوهن في مهاوي [ ص: 110 ] السفول لتكونوا شيوخا ضعفاء غرباء ، قد مات أقرانكم ، ووهت أركانكم ، فصرتم تخشون كل أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا مفهما لأنه حال الكل ، بين أنه ما أريد به إلا البعض لأن المخاطب الجنس ، وهو يتناول البعض كما يتناول الكل فقال : ومنكم من يتوفى بقبض روحه وجميع معانيه .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الموت ليس مستغرقا للزمن الذي بين السنين وإنما هو في لحظة يسيرة مما بينهما ، أدخل الجار على الظرف فقال : من قبل أي: قبل حال الشيخوخة أو قبل حال الأشدية.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المعنى: لتتفاوت أعماركم وأحوالكم وأعمالكم، عطف عليه قوله: ولتبلغوا أي: كل واحد منكم أجلا مسمى أي: [له] سماه الملك الذي وكل به في بطن أمه عن إذننا وبأمرنا الذي قدرناه في الأزل، فلا يتعداه مرة، ولا بمقدار ذرة فيتجدد للملائكة إيمان في كل زمان.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت هذه الأمور مقطوعا بها عند من يعلمها، وغير مترجاة عند من يجهلها، فإنه لا وصول للآدمي بحيلة ولا فكر إلى شيء منها، فعبر فيها باللام، وكان التوصل بالتفكر فيها والتدبر إلى معرفة أن الإله واحد في موضع الرجاء للعاقل قال: ولعلكم تعقلون [أي]: فتعلموا بالمفاوتة بين الناس فيها ببراهين المشاهدة بالتقليب في أطوار الخلقة [ ص: 111 ] وأدوار الأسنان، وإرجاع أواخر الأحكام على أوائلها أن فاعل ذلك قادر مختار حكيم قهار، لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية